المشي للأربعین
من منظور تربوي و نفسي و اجتماعي
مسیرة المشي الی الأربعین هي في الواقع ظاهرة معنویة وثقافیة واجتماعیة تتجاوز كل الحدود والأطر التقلیدیة، ویشارك فیها اناس ینتمون الی ثقافات متعددة ، في اجتماع حماسي عظیم لأربعینیة الامام الحسین . و لا يخفى ان هذه المسیرة بما تحمله وتتضمنه من قیم اخلاقیة وتربویة واجتماعیة ، تترك بلا شك تأثیرا كبیرا وخاصة علی المشاركین فیها . و في هذا الصدد أقامت جامعة فردوسي بمدینة مشهد الإیرانیة ، ندوة خاصة حملت عنوان ( المشي الى الاربعين من منظور تربوي و نفسي و اجتماعي )، شارك فيها العديد من اساتذة الجامعات والهیئات العلمیة وعلماء احتماع. و قد خرجت الندوة بمجموعة نتائج نستعرض فيما يلي أبرزها نظراً لأهميتها :

ترسیخ مبادیء التضحية و الإیثار
تعتبر مسیرة الأربعين ظاهرة متعددة الأبعاد ، فبالإضافة إلى الجوانب الروحية يمكن دراستها من الناحیة الثقافية والاجتماعية والنفسية والسوسیولوجیة ایضا. فالأشخاص الذين يشاركون في مسیرة الأربعين یشاهدون عن قرب وبأم اعینهم سلوكيات قیمة مثل الإیثار والتضحية بالنفس والضيافة وتقدیم انواع الخدمة الی زوار ومحبي أهل البيت (ع). والتعرف على مثل هذه السلوكيات الإيجابية وتجربتها عن كثب ، يجعل هذه الخصائص تترسخ لدى الافراد ؛ كما نلاحظ ان الأشخاص الذین یتمتعون بأذواق مختلفة وینتمون الی ثقافات متنوعة یعملون ویتعاونون معًا خطوة بخطوة من اجل الوصول إلى وجهة مشتركة ، ونری ان هذه الاختلافات لا تمنعهم من مساعدة بعضهم البعض. ومن الإنجازات النفسية الأخرى لهذه المسيرة هو الفهم المتبادل للأشخاص الموجودین حولك ومساعدة الآخرين. وفيما یخص موضوع الإیثار والتضحية ، نلاحظ ان القدرة المالیة ليست مهمة للغاية بل كل شخص یتمكن من مساعدة الآخرين بقدر ما يستطيع.وهناك من هذا القبیل یمكن مشاهدتها في مسیرة الأربعین .
وحول النماذج والمصادیق الملموسة للتضحية والإیثار وتقدیم العون للآخرین ، نذكر هنا نموذج سرده احد الإشخاص الذین كانوا قد شاركوا في مسیرة الأربعین ، وهو أنه بعد ان قطع مسافة من المشي، شعر بالتعب وجلس في مكان ما للإستراحة. عندها جاء شخص ما ووقف أمامه.فتنحی من مكانه قلیلا حتی یفسح المجال لهذا الشخص ان یجلس ایضا . الا هذا الشخص أتي مرة أخرى ووقف أمامه. وفي حالة من التعجب ، سأل ذلك الشخص عن سبب فعله هذا،فأجابه قائلا: أردت ان أحجب ضوء الشمس عنك حتى لا تشعر بالضیق.

تعامل أفضل مع الآخرين
ان الأشخاص الذين يقررون بتخطيطهم الخاص تنظیم مجموعات للمشاركة في مسيرة الأربعين ویتقبلون المصاعب والتكاليف المالية ، يمارسون طرقًا وسبلا أكثر للتعامل مع نظرائهم في سبیل تحقيق هدف مثالي وتعلم مثل هذه المهارات وهذه السبل یعتبر امر مهم وقیم للغایة.
تعزیز الهوية الدينية في الأسرة
خلال مسيرة الأربعين ، يتم أيضًا تعزیز المعتقدات الدينية للإنسان . ومن الأمور الأساسیة التي یتم التأكيد علیها دائما هو أن يشارك الناس في هذه المسیرة العظیمة مع عوائلهم وأزواجهم وأطفالهم لأن هذا الأمر یعزز المعتقدات الدينية لدیهم ولدی أسرهم وأطفالهم. فعندما ترى ان الكثير من الناس في مسیرة الأربعين يخدمون الإمام الحسين (ع) بأموالهم وأولادهم وجميع ممتلكاتهم ، فإن نظرك سيتغير لاإرادیا حول خدمة أهل البيت (ع) والتعلم منهم. وفي هذه الفترة التي يبحث فيها بعض المراهقين والشباب عن هويات لا قيمة لها ، تمنح مسيرة الأربعين للناس هوية دينية وهذا إنجاز قيم للغاية.

الشعور بقيمة الذات ونمو الشخصية
ان المشي من النجف إلى كربلاء هو درس عملي لزيادة الصبر والتسامح والحلم . فبعد تحمل مصاعب الطريق وقلة الإمكانیات والتعب من السفر تجعل الأشخاص الذين یتمتعون بإمكانیات في مدينتهم يغيرون رؤیتهم تجاه الحياة. فالمراهقون والشباب الذين يعيشون في منازل ملیئة بالرفاه عادة ما تكون توقعاتهم كثیرة وصبرهم وتحملهم قلیل ،فیما نراهم بعد المشاركة في مثل هذه المسيرة يعترفون جميعًا بأنهم يشعرون بأنهم قد كبروا وان شخصيتهم قد نضجت أكثر.
التحول في الحياة بعد العودة
من المستحب في هذه المسیرة هو الإبتعاد عن المناقشات غير المجدية ؛ فالنس المشاركون في هذه المسيرة من خلال الإبتعاد عن المناقشات ، يجدون الفرصة للتفكير في وضعهم الحالي وفي أهدافهم المستقبلية. كما یفكرون أيضًا بما يجب عليهم فعله من أجل التقدم في الحياة،وما هي السلوكيات السلبیة التي يجب عليهم إزالتها وما هي السلوكیات الإیجابیة التي ینبغي علیهم تعزيزها وخاصة في تعاملهم مع أسرهم. والاهتمام بهذه الأمورالمهمة سيوفر الأرضیة للتحول الروحي والثقافي والاجتماعي وحتى المادي للأشخاص بعد عودتهم الی دیارهم.
من هنا علينا جميعًا أن نخطط لتحقيق أقصى استفادة من هذه المسیرة المعنویة الكبری ؛ كما يجب أن نبذل قصارى جهدنا للمشارکة في هذه المسيرة الحماسية للاستفادة من برکاتها الروحية والدنيوية. فنحن نستطیع ان نشجع الآخرين على المشارکة في هذه المسيرة وإذا عرفنا شخصًا يحب المشارکة في هذه المسيرة ؛ لکن ظروفه المادیة لاتسمح له القيام بذلک ، علینا مساعدته ولنعلم ونعرف بیقین أن الشعور بمساعدة الآخرین على مثل هذا العمل القيم له تأثير لا يصدق على معنویات الانسان وعلی زيادة شعوره بالسعادة في الحياة.