التفاعل العاطفي في خطاب المسيرة الحسينية
{ م. د. كريم حمزة حميدي جاسم – تدريسي في كلية الإمام الكاظم(عليه السلام)/العراق }
المقدّمة
إنّ الخطاب يعدّ من أهمّ مظاهر السلوك الإنساني، بل هو هوية الإنسان، فضلاً عن كونه المرآة التي تعكس مشاعره وانفعالاته واتجاهاته النفسية، يقابل ذلك متلقّي الخطاب الذي لا بدّ من أن تظهر آثار ذلك الخطاب عليه، وهو ما يعبّر عنه بالانفعالات العاطفية سواء إيجابية كانت أم سلبية. وبفعل الرسالة الإلهية التي تضمّنها خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) استجاب كثير من الأنصار إلى نداء القلب، وقبل ذلك إلى نداء الرب؛ وكذلك الحال في خطابات المسيرة الحسينية الأُخر. ولا شك في أنّ التفاعل مع هذه الخطابات قد أخذ أبعاداً تربويةً متعددةً، منها ذلك التفاعل العاطفي الذي أدّى إلى بذل النفس في سبيل الله، والوقوف إلى صف الفريق الحق، فريق الإمام الحسين(عليه السلام).
ومن هنا؛ حفلت المسيرة الحسينية بنماذج متعددة من الأنصار، الذين تفاعلوا مع خطاباتها، ومن هؤلاء: الحرّ الرياحي، وزهير بن القين، وأُمّ وهب وابنها، ويزيد بن زياد بن المهاجر الكندي، وسعد بن الحرث الأنصاري، وأخوه، وغيرهم.
لذا شرعتُ بدراسة فكرة هذا البحث، مقسِّماً إيّاه على مبحثين، تسبقهما مقدّمة وتمهيد، وتتلوهما خاتمة. أمّا التمهيد، فقد تناولت فيه الخطاب وآثاره التربوية. وأمّا المبحثان، فقد تناولت في أولهما أثر خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) في عواطف الآخرين. وقد اشتمل الحديث عن أثر الخطاب في أنصار الإمام الحسين(عليه السلام)، ومدى تفاعلهم العاطفي معه، ومثال ذلك: الحرّ الرياحي، وزهير بن القين. وأمّا المبحث الثاني، فقد تناولت فيه أثر خطاب آل الحسين(عليهم السلام) في عواطف الآخرين. ومن أهمّ أمثلته: الإمام السجاد(عليه السلام)، والسيّدة زينب(عليها السلام)، وغيرهما. وختمت البحث بعدد من النتائج التي توصّلت إليها الدراسة. وقد تنوّعت روافد البحث بين المصادر التاريخية والتربوية وكلّ ما يمكن أن يخدم موضوع البحث.
وأخيراً أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لخدمة أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، وأن يجعل عملنا المتواضع هذا في موازين حسناتنا إنّه نعم المولى ونعم النصير.
التمهيد: الخطاب وآثاره التربوية
الخطاب في اللغة: مراجعة الكلام[2]. أي: مراجعة الكلام بين المتكلِّم والسامع، جاء في (مقاييس اللغة):(الخاء والطّاء والباء أصلان: أحدهما الكلام بين اثنين، يقال: خاطبه يخاطبه خطاباً، والخطبة من ذلك)[3]. أمّا معنى الخطاب في الاصطلاح، فهو:(توجيه الكلام نحو الغير للإفهام، ثمّ نُقل إلى الكلام الموجّه نحو الغير للإفهام، وقد يعبّر عنه بما يقع به التخاطب)[4]. فلا بدّ من أن يكون ذلك الخطاب مفهوماً، ويتجنّب الغموض، وهذا ما ذكره المفسّـرون في تفسير قوله تعالى: (وَفَصْلَ الْخِطَابِ)[5]. قال الزمخشري: هو( البيّن من الكلام الملخّص الذي يتبيّنه مَن يُخاطب به لا يلتبس عليه)[6]؛ لذا يحتاج الخطيب إلى لغةٍ فصيحةٍ، وبلاغةٍ في البيان، تُعينه على إظهار ما استجاشت به نفسه من مشاعر مكارم الأخلاق وسمو النفس، فيكون ذا ذوق لفظي، ونمو فكري، وعاطفة جيّاشة. ومن هنا قيل:(مطالع العلوم ثلاثة: قلب مفكِّر، ولسان مُعبِّر، وبيان مُصوّر)[7]، وبالعبارة الجزلة الجميلة المؤثّرة تستدر العواطف، ويُجمع بها شتات القلوب المتفرّقة، وتُجمع بها كلمة الحق والخير.
إنّ الخطاب كان إحدى الوسائل الإعلامية العسكرية التي اعتمدها الحسين(عليه السلام) وأنصاره في معركة الطف، وهذا يؤكّد أنّ هذه المعركة كانت عقائدية، تجمع بين الحق والباطل، والجنّة والنار؛ لذا كان لفرسان الكلمة في معسكر الحسين(عليه السلام) كلمة الفصل في كسب المعركة إعلامياً وعقائدياً ومعنوياً.
وأمّا التربية، فهي( كلّ العمليات التي تهدف إلى تطوّر قابليات الفرد وميوله، ونماذجه السلوكية بالاتجاه الإيجابي الذي يرغبه)[8]. وهي ترتبط بالبيئة الاجتماعية للفرد، فلكلّ مجتمع تربيته الخاصّة، التي تعكس فلسفته وأهدافه وظروف حياته، وقيمه ومعتقداته، أي: تعكس إيديولوجيته في الحياة؛ لتجعل الصغار يشبّون عليها، فينضمّون إلى حملتها مع الكبار[9]. ونحن بهذا المفهوم قد لا نعبِّر عن معنى (الآثار التربوية) كما جاء في العنوان؛ لأنّ الآثار التربوية مصطلح عام، يشمل كلّ سلوك تربوي متأثّر بشيء ما، فضلاً عن أنّ هذه الآثار تختلف من حيث طبيعتها وعمقها وإمكانياتها في التأثير لدى تحوّلها إلى أنماط سلوكية في الواقع؛ ولأنّ دراستنا اقتصرت على أثر واحد، وهو التفاعل العاطفي؛ لذا يمكن أن تكون هذه الآثار قيماً تربويةً، وهذه القيم يمكن إعطاؤها تعريفاً محدداً بخلاف الآثار؛ وقد عرّف ضياء زاهر القيم التربوية بأنّها:(مجموعة من الأحكام المعيارية المتصلة بمضامين واقعية يتشرّبها الفرد من خلال انفعاله وتفاعله مع المواقف والخبرات المتنوعة، ويُشترط أن تنال هذه الأحكام قبولاً من جماعة معيّنة؛ لكي تتجسد في سياقات الفرد السلوكية، أو اللفظية، أو اتجاهاته، أو اهتماماته)[10].
وقد ظفر الإمام الحسين(عليه السلام) بمكونات تربوية متعددة، عملت على تقويمه وبنائه وتزويده بأضخم الثروات الفكرية والقيمية، وهي: الوراثة، والأُسرة[11]. كيف لا وهو سليل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي، وربيب أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد رصد ذلك الشيخ باقر شريف القرشي(رحمه الله) بقوله:(أمّا الإمام علي(عليه السلام)، فهو المربّي الأول الذي وضع أصول التربية، ومناهج السلوك، وقواعد الآداب، وقد ربّى ولده الإمام الحسين(عليه السلام) بتربيته المشرقة، فغذّاه بالحكمة، وغذّاه بالعفّة والنزاهة، ورسم له مكارم الأخلاق والآداب، وغرس في نفسه معنوياته المتدفقة، فجعله يتطلّع إلى الفضائل، حتى جعل اتجاهه السليم نحو الخير والحق)[12].
وهناك علاقة وطيدة بين الخطاب والتربية؛ إذ إنّ الخطاب يعكس تربية الخطيب، ويؤثّر في تربية المخاطب وسلوكه، فينتج عنه أثر تربوي، قد يكون إيجابياً، وقد يكون سلبياً بحسب فكر المخاطب، وتأثره بذلك الخطاب؛(لأنّ الإقناع والتأثير اللذين يعتمد عليهما الخطيب، يعملان عملهما في تفكير الجمهور وعواطفه، ويدفعان الإرادة إلى العمل الحاسم)[13]. فالكلمة الجميلة تأسر مستمعها، وتجعله يتابع أحداث معانيها ودلالاتها في تفاعل وتأثر؛ لأنّها تجذب عواطفه وتأخذ بألبابه، وقد امتاز خطاب المسيرة الحسينية بمزايا تختلف عن أيّ خطاب؛ لأنّه خطاب حق، ينطلق من مبدأ قائم على أُسس تربوية صحيحة، فخطاب قائد هذه المسيرة الإمام الحسين(عليه السلام) قد اكتسب من شخصيته الاجتماعية والثقافية والروحية مقوماته الرئيسة؛ إذ بني من ظروفه في مسيرة حياته من الطفولة إلى لحظات خلق النص؛ لذا( جسّد الخطاب الحسيني المجتمع الذي قيل فيه؛ إذ تضمّن التراث الثقافي الذي اختزله ذهن الإمام الحسين(عليه السلام) بما فيه من مجتمعات صالحة، وحركات مصلحة، جرت عبر أمكنة وأزمنة متتالية، يمثّل هذا الخطاب صرخات مدوّية على الظلم، وتنبّؤاً بما سيؤول إليه المجتمع، فقد كان المجتمع متحركاً ساخناً، يتشابه فيه الأفراد من حيث النوع والماهية؛ لكنّهم مختلفون تمام الاختلاف من حيث المبادئ، والإيديولوجية، والأخلاق، والأهداف، والغايات)[14].
وأمّا المخاطب، فهو عنصر مهم في تركيبة الخطاب، وهو العنصر الثاني من حيث الأهمية، فلا بدّ من وجود وشائج الاتصال مع الآخرين؛ لأنّ( الوعي الذاتي يقتضي الشعور بالآخرين، فهو اجتماعي في أعمق أعماق طبيعته الميتافيزيقية، وما دامت حياة الإنسان تعبيراً عن الأنا، فإنّها تفترض وجود الآخرين)[15]. وقد صاحب خطاب المسيرة الحسينية تعاملاً مباشراً وغير مباشر مع الآخرين (المخاطبين)، سواء أكان الحسين(عليه السلام) هو المخاطِب أم أنصاره وأهله كما سيتبيّن لنا ذلك.
وتظهر الآثار التربوية في المخاطَب بعد تأثّره بالخطاب، ومن هذه الآثار التفاعل العاطفي الذي هو محور البحث، الذي يُعدّ عاملاً مؤثّراً في اتخاذ القرار، فالمرء يحتاج إلى عاطفة تتوقد في قلبه تدفعه إلى النجاح في إنجاز عمله، واتخاذه موقفاً صحيحاً، ومَن يفقدها قد لا يحمل الدافع للإنجاز والنجاح في العمل. علماً أنّ العاطفة وحدها لا تكفي للنجاح في العمل واتخاذ القرار، فلا بدّ من أن يكون للعقل والحلم الدور الأكبر في اتخاذ القرار الصحيح، وأنّ الموقف الذي يتخذه المرء يجب أن يكون إفرازاً طبيعياً لتفاعل هذه الخصائص كلّها، التي فطر الله} الإنسان عليها، أمّا إذا كان إفرازاً لعامل واحد فقط، فهذا إغراق في العاطفة وغلو فيها، وهو مذموم[16]. وإذا أردنا أن نتحدّث عن تفاعل أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، لا يمكننا القول: إنّ العاطفة وحدها كانت حاضرةً عندهم، وإلّا لانضمّ إلى ركب الحسين(عليه السلام) جميع مَن استمع خطابه(عليه السلام)، وإنّما اشتركت عوامل إلهيّة مختلفة لتجمعهم في ركب واحد؛ إذ إنّهم مصطفَون للشهادة قبل شهادتهم، بدليل ما ذكره ابن عباس لمّا عُنّف على عدم نصرة الإمام الحسين(عليه السلام):(إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم)[17].
المبحث الأوّل: أثر خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) في عواطف الآخرين
انفردت المسيرة الحسينية بأنّها أكبر حدث حمل انفعالات عاطفية في التاريخ الإسلامي، فكلّ كلام، أو خطاب في هذه المسيرة له اعتباراته ودلالاته التاريخية، ولا سيّما عندما يكون رموز ذلك الخطاب هم أهل بيت النبوّة، فحمل ذلك الخطاب مضامين الخطاب النبوي؛ لذا وجد صدىً كبيراً عند الموالين، فضلاً عن الجاحدين؛ إذ كان( يرتكز على إصلاح البنية الفكرية وترميمها، وليس على الكلمات التحريضية، أو المصطلحات المنمّقة، أو الأكاذيب، أو البدع، وإنّما على تشخيص مواطن الانحراف الفكري وطرق معالجتها، ممّا أحدث تغييراً قويّاً)[18]. وسنتناول في هذا المبحث أُنموذجين فقط للتفاعل العاطفي مع خطاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وهما: زهير بن القين، والحرّ بن يزيد الرياحي على النحو الآتي:
1ـ تفاعل زهير بن القين مع خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) عاطفياً
ذكر المؤرخون على أنّ زهيراً كان عثمانيّ الهوى، قال ابن الأثير:(وكان زهير ابن القين البجلي قد حجّ، وكان عثمانياً)[19]. وكان من أبغض الأشياء إليه مقابلة الحسين(عليه السلام)، وسار حتى أقبل إلى ما فوق منطقة (زرود)[20]، بعد أن حجّ بيت الله الحرام في تلك السنة، وكان معه جماعة من فزارة وبجيلة، فصادف الحسين(عليه السلام) في منطقة (زرود)، فبعث إليه الحسين(عليه السلام) رسولاً يدعوه إليه، وكان يتغذّى مع جماعته، فأبلغه الرسول مقالة الحسين(عليه السلام)، فذُعر القوم وطرحوا ما في أيديهم من طعام كأنّ على رؤوسهم الطير. وقد أنكرت زوجة زهير عليه ذلك، وقالت له: سبحان الله! أيبعث إليك ابن بنت رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! لو أتيته فسمعت كلامه؟![21].
فذهب زهير على كره منه إليه، فلم يلبث أن عاد مُسرعاً، وقد تهلّل وجهه وامتلأ غبطة وسروراً، فقد شرح الله صدره للإيمان، فسارع للالتحاق بموكب النور، فأمر بفسطاطه وما كان عنده من ثقل ومتاع، فحوّله إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، وقال لزوجته: أنت طالق[22].
وبعد هذا الكلام يمكننا أن نتساءل: ما الذي قاله له الحسين(عليه السلام)؛ لكي يجعله يعدل عن قراره بعدم مرافقة الحسين(عليه السلام) وصحبته؟ يزاد على ذلك الشكّ والريبة من القول بعثمانيته؛ وذلك بعد وصول درجة التفاعل العاطفي لدى هذا الرجل بحصوله على القناعة التامة بصحبة الحسين(عليه السلام) بحيث يصل الحال إلى طلاق الزوجة؛ من أجل الالتحاق بركب الشهادة الموعودة؛ إذ قال لها:(وقد عزمت على صحبة الحسين؛ لأفديه بروحي؛ وأقيه بنفسي)[23]. ثمّ قوله لأبناء عمّه ومَن كان معه:(مَن أحبّ منكم الشهادة فليقم، ومَن كرهها فليتقدّم)[24].
كلّ هذا يجعلنا نقرّر أنّ زهيراً لم يكن عثمانيّ الهوى؛ وإنّما كان مترّدداً في صحبة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء غير أنّ خطاب الإمام(عليه السلام) ـ الذي لم تُعرف مضامينه تماماً ـ هو الذي أثار التفاعل العاطفي عنده؛ إذ قال للحسين(عليه السلام) في ليلة العاشر من محرّم الحرام ـ بعد أن جمع الإمام الحسين(عليه السلام) أهل بيته وأصحابه، ثمّ خطب فيهم خطبةً أباح لهم أن يحلّوا من بيعته، وأن يتخذوا الليل جملاً…[25]. فلمّا سمع أهل بيته ذلك قاموا وأبوا ذلك وفدوه بالأنفس والأموال والأهلين، ثمّ قام أصحابه واحداً بعد واحد، حتى وصل الدور إلى زهير بن القين فقال:(والله، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نشرت، ثمّ قُتلت، حتى أُقتل كذا ألف قتلة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)[26].
ويبدو لي أنّ إثارة التفاعل العاطفي عند زهير بن القين جاء بسبب تذكيره ببعض المواقف التاريخية، على الرغم من أنّه كان الناقل لها، ومنها حادثة معركة (بلنجر)[27]؛ إذ قال زهير مخاطباً أصحابه:(إنّي سأُحدّثكم حديثاً، إنّا غزونا البحر، ففتح الله علينا، وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسيE: أفرحتم بما فتح الله عليكم، وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال: إذا أدركتم شباب آل محمد، فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم معهم ممّا أصبتم اليوم من الغنائم. فأمّا أنا فأستودعكم الله)[28]. فتذكير الإمام الحسين(عليه السلام) له، أو تذكيره هو لأصحابه قد أحيا أمراً بديهياً كان في ذاكرته، لا يحتاج إلى دليل إثبات.
ومن أسباب التفاعل العاطفي عند زهير إخبار الإمام الحسين(عليه السلام) له بتفاصيل شهادته؛ إذ أخبره(عليه السلام) قائلاً:(يا زهير، اعلم أنّ ها هنا مشهدي، ويحمل هذا من جسدي ـ يعني رأسه ـ زحر بن قيس، فيدخل به على يزيد يرجو نواله، فلا يعطيه شيئاً)[29]. فأثّر هذا الخبر نفسياً في زهير، فكيف يحدث مثل هذا بابن بنت رسول الله(صلى الله عليه واله). ويعبّر عن هذا التأثير في الدراسات التداولية الحديثة بـ(الفعل التأثيري)، وهو (فعل إقناع شخص بشيء، أو إزعاج شخص، أو حمل شخص ما على كلامنا، إنّه أثر الفعل الإنجازي)[30].
كما أنّ إخبار الحسين(عليه السلام) له بطريقة مقتله يجعله من مستودع سرّه، كما حصل مع أصحابه الآخرين: (أي: حبيب بن مظاهر، ونافع بن هلال)، فليس هيّناً ذلك السرّ، وهو سفك الدم الطاهر، لإمام الخلق، وسبط النبي(صلى الله عليه واله)، وسيّد شباب أهل الجنّة، وبذلك صارت الدنيا عنده أهون من جناح بعوضة، والشهادة أحلى من العسل[31].
2ـ تفاعل الحرّ بن يزيد الرياحي مع مواقف الإمام(عليه السلام) وكلامه عاطفيّاً
الحرّ هو أحد قادة الجيش الأُموي، حدثت بينه وبين الإمام الحسين(عليه السلام) مواقف متباينة تجمع بين الهداية والضلال، أدركته الهداية، فترك قيادة الجيش، وجاء إلى الإمام الحسين(عليه السلام) منكّساً رأسه. وكان قبل ذلك قد جعجع بمعسكر الحسين(عليه السلام)، واعترض طريقه إلى الكوفة، حيث قال:(هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه، أن أُجعجع بكم في المكان الّذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره أَلّا يفارقني حتّى أُنفِّذ رأيه وأمره)[32]. فقال الحسين(عليه السلام):(الموت أدنى من ذلك)[33].
لقد أدرك الحرّ أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) بموقفه هذا يعرّض نفسه للخطر؛ لذلك حذّره من نيّة ابن زياد، إلّا أنّ الإمام لم يأبه لهذا التحذير؛ لأنّه يعلم بالمصير الذي سيؤول إليه، فلذلك لم يكن ليخشى الموت ما دام متمسّكاً بمبدئه، ومؤمناً بعدالة قضيّته، فقال للحرّ جواباً يكشف عن كينونة نفسه القوية، قائلاً:(أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك؟! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، ولقيه وهو يُريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)، فقال له: أين تذهب؟ فإنّك مقتول، فقال:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبوراً يُغشّ ويرغماً
قال: فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في ناحية أُخرى)[34].
ومن المحاورات التي جرت بينهما، والتي أثّرت فيه تأثيراً كبيراً ما جاء في المحاورة الآتية: حيث إنّ الحرّ لم يزل مرافقاً للحسين حتّى حضرت الصلاة (أي: صلاة الظهر)، فأمر الإمام الحسين(عليه السلام) الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذن، فأذّن، فلمّا حضرت الإقامة خرج الإمام(عليه السلام) في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال:(أيّها الناس، معذرة إلى الله ثمّ إليكم، إنّي لم آتكم حتّى أتتني كتبكم، وقدِمت عليّ رُسلكم، فإن أعطيتموني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم دخلنا معكم مصركم، وإن تكن الأُخرى انصرفت من حيث جئت. فأُسكت القوم، فلم يردّوا عليه، حتّى إذا جاء وقت العصر نادى مؤذّن الحسين، ثمّ أقام وتقدّم الحسين(عليه السلام) فصلّى بالفريقين)[35].
ومنها أيضاً الخطبة التي قال فيها: بعد حمد الله والثناء عليه:(أيّها الناس، إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله. أَلا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيري، وقد أتتني كُتبكم ورُسلكم ببيعتكم، وأنّكم لا تسلّموني ولا تخذلوني، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم، وأنا الحسين بن علي، ابن فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ـ نفسي مع نفسكم، وأهلي مع أهلكم، فلكم فيّ أسوةٌ، وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم بيعتي، فلعمري ما هي لكم بنكير، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم بن عقيل، والمغرور مَن اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم، (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) [36]، وسيغني الله عنكم، والسلام)[37].
وتعزّزت هذه المواقف بخطاب زهير بن القين:(رافعاً صوته يقول: عباد الله، لا يغرنّكم عن دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه، فوالله لا ينال شفاعة محمد (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) قوم أهرقوا دماء ذريته، وقتلوا مَن نصرهم وذبّ عن حريمهم)[38].
وتمثّل التفاعل العاطفي عند الحرّ بن يزيد الرياحي في الآتي:
3ـ دعوة الآخرين إلى نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)
تداخلت في نفس الحرّ موجة من الصراع النفسي، هل يلتحق بالإمام الحسين(عليه السلام)، ويضحي بحياته ومنصبه، أو أنّه يبقى محارباً للإمام الحسين(عليه السلام)؟ فاختار الحرّ نداء ضميره، وتغلّب على هواه، فصمم على الالتحاق بركب الشهداء؛ لذا توجّه نحو ابن سعد قائلاً له:(أمقاتل أنت هذا الرجل؟! قال له: إي والله، قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. قال: أفما لكم في واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضىً؟ فقال عمر بن سعد: والله، لو كان الأمر إليّ لفعلت، لكنّ أميرك قد أبى ذلك)[39].
اقتنع الحرّ قناعةً تامّةً بمبادئ الثورة الحسينية، وأراد أن يصحب أكبر عدد؛ لنصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، وحجّته في ذلك الخصال الطيّبة المتعددة التي ذكرها الحسين(عليه السلام) في خطابه، والتي أقرّها الحرّ الرياحي، ولا سيّما بعد الصلاة خلف الحسين(عليه السلام)، وبعد تقديم الإمام الحسين(عليه السلام) الحجّة الناصعة، فضلاً عن حديثه عن الظالمين، والمناصرين لهم، وأخيراً تذكيرهم بأنّه ابن علي وفاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه واله).
هذه الخصال أثّرت عاطفياً بالحرّ الرياحي، وهو ما يسمّى بأُسلوب العاطفة، أو أسلوب الخطاب النفسي،(فإذا كان العقل لا يسهل قياده في بعض الأحيان مهما وضحت الحجّة وعلت في صحتها وقطيعتها، فإنّ العاطفة تكون حينئذٍ عوناً على استمالة المدعو واجتذابه)[40] ممّا انعكس على ابن الحرّ فيما بعد كما سنرى. ولكنّها ـ للأسف ـ لم تؤثّر في السواد الأعظم من أعداء الحسين(عليه السلام).
4ـ التوبة والاعتذار من الإمام الحسين(عليه السلام)
بعد أن يئس الحرّ من إقناع القوم بمشروعية النهضة الحسينية أقبل( يدنو من حسين قليلاً قليلاً، فقال له رجل من قومه ـ يقال له المهاجر بن أوس ـ: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت، وأخذه مثل العُرَوَاء، فقال له: يا بن يزيد والله، إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي: مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً؟ ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك؟ قال: إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، ووالله، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قطّعت وحرقت، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين(عليه السلام)، فقال له: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلّا هو، ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة، فقلت في نفسي: لا أبالي أن أُضيّع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، ووالله، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى ذلك لي توبة؟ قال: نعم، يتوب الله عليك ويغفر لك، ما اسمك؟ قال: أنا الحرّ بن يزيد. قال: أنت الحرّ كما سمّتك أُمّك، أنت الحرّ إن شاء الله في الدنيا والآخرة)[41].
هذه الكلمة الموجزة أَبّنَ بها الإمام(عليه السلام) الحرَّ، فكانت المصداق الواقعي للحرية، التي تحرّر بها الحرّ من القيود، فلم تؤثّر فيه مغريات الحياة، ولا غرور المنصب، ولا طغيان الجاه والزعامة، ولا حبّ المال. فما أروع الأحرار عندما يقلّدهم الإمام الحسين(عليه السلام) وسام الحرية الإلهية؛ للعروج بهم على بساط الحرية، فوق سماء الأجيال كلّها، حتى الوصول إلى أحضان الحور العين في رياض الجنّة الباقية، وتكفي الحرّ هداية الإمام الحسين(عليه السلام) له إلى حقيقة الحرية، حتى لو كان له موقف سيئ من قبلُ، فالحسين(عليه السلام) مثال رحمة الله التي وسعت المذنبين التائبين، أليس الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين؟
وهذا الاعتذار يبيّن مدى التفاعل العاطفي مع خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) وما رافقه من مواقف تربوية؛ إذ إنّه انفعال عاطفي( يتمثّل في النواحي العاطفية والانفعالية المرتبطة بالأشياء والأشخاص والأحداث المختلفة، ولقد أكّدت معظم الدراسات والبحوث التي أُجريت حول المكونات العاطفية والانفعالية للاتجاه النفسي، أنّها تحدد عمق وشدّة وكمية الانفعال الذي يصاحب سلوك الفرد نحو موضوع، أو شخص، أو شيء مُعيّن، ويتضح ذلك من غضب، أو سرور الفرد عند مناقشته موضوع الاتجاه مع الآخرين)[42]. وهذا ما ظهر واضحاً عند الحرّ، فقد أظهر اعتذاره للإمام الحسين(عليه السلام)، ثمّ أصبح من أوائل الشهداء الذين استُشهدوا بين يديه.
لقد وضع حوار الإمام(عليه السلام) مع الحرّ بن يزيد الرياحي حدّاً فاصلاً بين الحق والباطل، وبياناً واضحاً للحق وأهله والباطل وأهله.
وهناك صور متعددة من الإيثار والفرح كان أصحاب الحسين(عليه السلام) يعيشونها في ذلك اليوم العظيم، وكأنّهم واقفون على أبواب الجنّة يريدون الدخول إليها، وهذا لعمري يقين عظيم؛ تقول الرواية: لما أخبر الحسين أصحابه بأنّهم سيُقتلون، قالوا بأجمعهم:(الحمد لله الذي أكرمنا بنصرتك وشرّفنا بالقتل معك، أَو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن بنت رسول الله؟ فقال لهم خيراً، ودعا لهم بخير)[43]. فهذا الإيمان العقائدي هو أعلى قيمة إيمانية يمكن أن يصلها الإنسان. ويُقصد بالقيمة الإيمانية:(تلك العقيدة المتكاملة التي يتحرّك بها المسلم في مجال الحياة، عابداً لربه ومجاهداً في سبيله، وساعياً في الخيرات بإذنه. وهذه العقيدة إيمان وثيق بالله لا يتزعزع، وثقة تامّة في عدله وقضائه، وتصديق شامل بكتبه ورسله، ومعرفة يقينية باليوم الآخر، على نحو ما ورد في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة)[44]؛ لذا فإنّ اختيار الحرّ طريق الجنّة كان اختياراً موفقاً؛ لأنّه نبع من إيمان حقيقي بالله وبرسوله(صلى الله عليه واله)، وبأوليائه(عليهم السلام). وقد روى ابن نما(قدس سره) أنّ الحرّ عند خروجه من الكوفة نُودي من خلفه: أبشر يا حرّ بخير. فتعجب من ذلك حيث لم يرَ أحداً [45].
5ـ التحاق ابن الحرّ بالإمام(عليه السلام)، فضلاً عن ثلاثين فارساً
بعد خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) المذكور آنفاً، وبعد تفاعل الحرّ العاطفي بذلك الخطاب، التحق ولد الحرّ بأبيه؛ لنصرة الحسين(عليه السلام)، فجاء في (ينابيع المودّة): بعد كلام للإمام الحسين مع الطرف الآخر سمعه الحرّ بن يزيد الرياحي، فقال لولده:(إنّ الحسين يستغيث، فلا يُغيثه أحد، فهل لك نقاتل بين يديه، ونفديه بأرواحنا، ولا صبر لنا على النار ولا على غضب الجبار، ولا يكون خصمنا محمد المختار؟ قال ولده: والله، أنا مُطيعك. ثمّ حملا كأنّهما يقاتلان، حتى جاءا بين يدي الإمام وقبّلا الأرض)[46].
كما التحق ثلاثون فارساً آخرون بمعسكر الحسين(عليه السلام)، وتركوا جيش ابن سعد، وجعلوا يقولون لأهل الكوفة: يعرض عليكم ابن رسول الله(صلى الله عليه واله) ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً؟ وجعلوا يقاتلون ببسالة معه حتى استُشهدوا بين يديه[47].
المبحث الثاني: أثر خطاب آل الحسين(عليهم السلام) في عواطف الآخرين
حمل خطاب المسيرة الحسينية أبعاداً تربويةً متعدّدة؛ ذلك لأنّ الإمام الحسين(عليه السلام)، فضلاً عن أهل بيته وأنصاره آمنوا بمبادئهم، وآثروا اختيار طريق الحق،( فلا غرابة أن يمثّل البعد الأخلاقي والإنساني جانباً مهمّاً من جوانب الخطاب الحسيني، فالخطاب الحسيني في كثير من تراكيبه وأساليبه هو خطاب إنساني وأخلاقي)[48]؛ فلا بدّ من أن يقابل ذلك انفعالات عاطفية إيجابية، ولأنّ خطاب المسيرة الحسينية متعدد بتعدّد شخوصه؛ لذا اقتصرنا على أهمّ الخطابات الإيجابية المؤثرة التي أحدثت تفاعلاً عاطفياً على النحو الآتي:
1ـ التفاعل العاطفي مع خطاب العقيلة زينب(عليها السلام)
إنّ المفردات التي اشتمل عليها خطاب العقيلة زينب(عليها السلام)، وما حقّقه على أرض الواقع من تفاعل عاطفي يؤكّد القيمة المعنوية والتاريخية التي اكتنزها ذلك الخطاب، وللسيّدة زينب(عليها السلام) خطبتان مشهورتان، إحداهما في الكوفة، والأُخرى في الشام، ولا مجال لذكرهما هنا؛ لأنّ الغاية من البحث في هذا الموضع معرفة التفاعل العاطفي الذي أحدثته تلك الخطب، إلّا أنّنا نذكر بعض العبارات التي يتطلّبها الموقف، وتمثّل التفاعل العاطفي في خطابها(عليها السلام)، في المظاهر الآتية:
أـ حيرة أهل الكوفة ودهشتهم
لقد ذُهل أهل الكوفة عند سماعهم خطاب العقيلة زينب(عليها السلام)، قال الراوي كما جاء في كتاب (بلاغات النساء):(فرأيت الناس حيارى، وقد ردّوا أيديهم إلى أفواههم، ورأيت شيخاً كبيراً من بني جعفي، وقد اخضلّت لحيته من دموع عينيه، وهو يقول:[49]
كهولهم خير الكهول ونسلهم إذا عد نسل لا يبور ولا يخزى
فهذا الشيخ يقرّ بأنّ أهل هذا البيت هم أشرف الناس، كيف لا، وقد أظهرت الحوراء(عليها السلام) صلتهم برسول الله(صلى الله عليه واله)؛ إذ قالت:(أَمن العدل يابن الطلقاء، تخديرك نساءك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله(صلى الله عليه واله))[50]، وقالت أيضاً:(يا ابن مرجانة، ويُستصرخ بك وتتعاوى، وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوّدك معاوية قتلك ذرية محمد(صلى الله عليه واله))[51].
إنّ بيان هذه الصلة من شأنه أن يحقّق وظيفتين نفسيتين، تتمثّل الأُولى بتأليب الحاضرين في مجلس المخاطب؛ وذلك عند اكتشافهم صلة الخطيب بالنبي محمد(صلى الله عليه واله). وأمّا الوظيفة النفسية الثانية، فتتمثّل بإدخال الرهبة في نفس المخاطب، لما قد تؤول إليه الأُمور مُحدثة ثورةً وانقلاباً، وهذا ما حصل فيما بعد[52].
ب ـ اعتراف ابن سعد بعصيان الله وقطع الرحم
روي أنّ عمر بن سعد ـ بعد مشاركته في معركة الطف، وسماعه خطاب الحوراء زينب(عليها السلام) ـ قال:(والله، ما رجع أحد بشرّ ممّا رجعت، أطعت عبيد الله، وعصيت الله، وقطعت الرحم)[53]. ويبدو أنّ هذا التفاعل العاطفي كان مؤقتاً، وجاء كردّ فعل لخطاب الحوراء(عليها السلام)، وإلّا فإنّه لم يراعِ ذلك في مواقفه الجاحدة لاحقاً. ويسمّى مثل هذا الانفعال عند بعض علماء النفس في مصادرهم وأدبياتهم بـ(الانفعالات الفاترة الخامدة) ـ كانفعالي الحزن والخوف ـ التي تجعل الفرد منقبضاً في داخله، ومنكمشاً على نفسه، ومنكفئاً على ذاته، ويكون فاقداً للقدرة على مواجهة الأحداث والأُمور حتى لو كان ذلك لمدّة مؤقتة يمكن بعدها من العودة إلى وضعه الطبيعي[54]. ولهذا لم ينفع ذلك الاعتراف، بل لم يؤثّر على سلوك ابن سعد فيما بعد.
ج ـ إقامة العزاء في بيت يزيد
أحدث خطاب العقيلة موجة عاصفة في مجلس يزيد، وأشاعت في نفوس الجالسين مشاعر الحزن والأسى والتذمر؛ إذ انتقل العزاء في بيت يزيد من قِبل نسائه؛ ولا سيّما هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز، فأثّر ذلك الخطاب في كلّ مَن حضر المجلس، وأجهش الجميع بالبكاء[55].
د ـ نهي يزيد عن ضرب رأس الإمام الحسين(عليه السلام)
صدر مثل هذا الموقف عن أحد أصحاب رسول الله(صلى الله عليه واله)، يقال له: أبو برزة الأسلمي، إذ قال:(أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟ أَما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً كريماً، رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) يرشفه، أَما إنّك، يا يزيد، تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا يوم القيامة ومحمد (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) شفيعه، ثمّ قام فولى)[56]. ونقل المؤرخون هذا الموقف بعد ذكرهم خطاب الحوراء زينب(عليها السلام)، ويبدو أنّ التفاعل العاطفي عند هذا الرجل بلغ مرحلةً لا يمكن معها السكوت عمّا يفعله يزيد (لعنه الله).
2ـ التفاعل العاطفي مع خطاب الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)
كانت الثورة الحسينية بحاجة إلى الجانب الإعلامي الدعائي؛ وقد تصدّى لذلك أرباب الفصاحة والبلاغة والبيان في معسكر الإمام الحسين(عليه السلام)، بدءاً من الإمام نفسه(عليه السلام)، وانتهاءً بأصغر فرد من آل الحسين(عليه السلام)، وكان للإمام علي بن الحسين(عليه السلام) الدور الأكبر في بيان مشروعية الثورة الحسينية، ولا سيّما بعد معركة الطفّ؛ إذ رافقت رحلة السبي لآل المصطفى(عليهم السلام) مواقف صعبة متعددة، وكان المتصدّي لأغلب هذه المواقف الإمام السجاد(عليه السلام)، والحوراء زينب(عليها السلام). ومن مظاهر التفاعل العاطفي في خطابات الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) ما يلي:
أـ عدول شيخ عن رأيه في آل البيت(عليهم السلام)
لمّا أخذوا سبايا الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الشام(جاء شيخ فدنا من نساء الحسين(عليه السلام) [و] عياله، وقال: الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم، وأراح البلاد من رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين منكم. فقال له علي بن الحسين: يا شيخ، هل قرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: فهل عرفت هذه الآية: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟ قال: قد قرأت ذلك. فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ. فهل قرأت في بني إسرائيل (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)؟ فقال: قد قرأت ذلك. فقال علي: فنحن القربى يا شيخ. فهل قرأت هذه الآية (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)؟ قال: نعم. فقال له علي: فنحن القربى يا شيخ. ولكن هل قرأت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)؟ قال: قد قرأت ذلك. فقال علي: فنحن أهل البيت الذين اختصّنا الله بآية الطهارة يا شيخ. قال: فبقيَ الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به، وقال: بالله أنّكم هم؟! فقال علي بن الحسين(عليهما السلام): تالله، إنّا لنحن هم من غير شك، وحقّ جدّنا رسول الله(صلى الله عليه واله) إنّا لنحن هم. فبكى الشيخ ورمى عمامته، ثمّ رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهمّ إنّي أبرأ إليك من عدو آل محمد من جنٍّ وإنسٍ. ثمّ قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم، إنّ تبت تاب الله عليك وأنت معنا. فقال: أنا تائب. فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقُتل)[57].
إنّ هذا الاعتذار جاء بسبب وجود قناعة داخلية بالاعتذار والتوبة، وبدافعية أخلاقية وعبادية محضة، وهو يمثّل التصفية الأخلاقية لآثار الفعل الخاطئ وتداعياته، فكان لأجوبة الإمام(عليه السلام) الدور الأكبر في عدول قناعة الشيخ الخاطئة، وتفاعله العاطفي مع الوضع المأساوي الذي يعيشه آل بيت النبوّة(عليهم السلام).
ب ـ ضجيج الناس بالبكاء بعد خطبة الإمام(عليه السلام)
جرت محاورة محتدمة بين الإيمان والكفر، بين الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) ويزيد ابن معاوية، أفضت إلى ارتقاء الإمام المنبر،( فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله(صلى الله عليه واله)، ثمّ قال: أيّها الناس، مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن المروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن مَن لا يخفى، أنا ابن مَن علا فاستعلا، فجاز سدرة المنتهى، فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى. فضجّ أهل الشام بالبكاء حتى خشي يزيد أن يرحل من مقعده، فقال للمؤذّن: أذِّن، فلمّا قال المؤذّن: (الله أكبر، الله أكبر) جلس علي بن الحسين على المنبر، فقال أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله…)[58].
لقد أجملت الخطبة إنجازات أهل البيت(عليهم السلام) تحت إمرة رسول الله(صلى الله عليه واله) وقيادته، وأجملت تضحياتهم في سبيل الدين، وعلو منزلتهم، ودورهم العظيم في بناء الإسلام في نفوس الناس، وأظهرت هذه الخطبة بلاغة الإمام(عليه السلام) وجرأته. وفي المقابل فإنّ بكاء القوم هو بكاء التماسيح ـ كما يقال ـ التي تبكي على فريستها، وهي غير قاصدة لذلك. يقول الشيخ التستري: إنّ بكاء هؤلاء القساة الأجلاف ناشئ من الرقة الموجودة في الفطرة من غير اختيار، مع التفات الباكين إلى أنّه رقة على المبكي عليهم مع الغفلة عن بغضهم، وهناك بكاء أيضاً ناشئ من الفطرة، ولكن مع الالتفات إلى بغض المبكي عليه. وما هو إلّا تفاعل عاطفيّ مؤقت سرعان ما ترجع الأُمور إلى طبيعتها بسبب ضعف إيمانهم، وعدم ثباتهم[59].
ج ـ تنصل يزيد من مسؤولية قتل الإمام الحسين(عليه السلام)
بعد مواجهة الإمام(عليه السلام) ليزيد بن معاوية بذلك الخطاب الكبير المفعم بالبلاغة والشجاعة، أدرك يزيد أنّه خسر معركة القلوب بعد أن تغلّب ظاهراً في معركة الأجساد، فحاول تدارك ذلك الأمر عبر التنصل من جنايته التي ارتكبها بحقّ الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، وإلقاء مسؤولية ذلك على عبيد الله بن زياد والي الكوفة، فقال:(لعن الله ابن مرجانة، أَما والله، لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلّا أعطيته إيّاها، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت، ولو بهلاك بعض ولدي، ولكن قضى الله ما رأيت، يا بني كاتبني حاجة تكون لك)[60]، فسكت الإمام(عليه السلام)، ولم يجبه.
د ـ تظاهر يزيد بتطييب خاطر الإمام(عليه السلام)
هذا الأمر وإن حمل طابع المكر والخداع، إلّا أنّه لا يمنع من أن يكون لخطاب الإمام(عليه السلام) أثر كبير في إرغام يزيد على أن يتراجع قليلاً عمّا خطط له، من إيذاء لموكب السبايا، ومحاولته قتل بقيّة العترة، الإمام علي بن الحسين(عليه السلام)، فبعد الخطاب تغيّر كلّ شيء، وتظاهر يزيد بالتودّد إلى الإمام(عليه السلام)، حيث ألحّ عليه: إن كانت له حاجة فيقضيها له؟ فقال(عليه السلام):(الأُولى: أن تريني وجه سيّدي ومولاي وأبي الحسين(عليه السلام) فأتزود منه، والثانية: أن تردّ علينا ما أُخذ منّا، والثالثة: إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء النسوة مَن يردّهنّ إلى حرم جدهنّ(صلى الله عليه واله). فقال له يزيد: أمّا وجه أبيك فلا تراه أبداً، وأمّا قتلك فقد عفوت عنك، وأمّا النساء فما يردّهنّ غيرك إلى المدينة، وأمّا ما أُخذ منكم فأنا أُعوّضكم عنه أضعاف قيمته. فقال [(عليه السلام)]: أمّا مالك فما نريده، فهو موفر عليك، وإنّما طلبت ما أُخذ منّا؛ لأنّ فيه مغزل فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه واله) ومقنعتها وقلادتها وقميصها)[61].
3ـ التفاعل العاطفي مع خطاب السيّدة فاطمة بنت الحسين(عليهما السلام)
بعد خطاب السيّدة فاطمة بنت الإمام(عليها السلام)، قال الراوي في وصف حال أهل الكوفة:(فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورها، وأضرمت أجوافنا. فسكتت)[62].
إنّ بكاء هؤلاء القوم وتفاعلهم العاطفي المؤقت، هو دليل على ازدواج شخصيتهم التي تجعل مَن يتّصف بها متغيّراً من حال إلى حال آخر، وهو ما أكّده علماء النفس بقولهم:(ونكتشف الازدواجية بسهولة عندما تكون المشاعر المقصودة عابرة ومتغيّرة)[63].
4ـ التفاعل العاطفي مع خطاب السيّدة أُمّ كلثوم(عليها السلام)
انبرت حفيدة الرسول(صلى الله عليه واله) السيّدة أُمّ كلثوم(عليها السلام) إلى الخطابة، فأومأت إلى الناس بالسكوت، فلمّا سكنت الأنفاس بدأت بحمد الله والثناء عليه، ثمّ قالت:(يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه؟ فتبّاً لكم وسحقاً. ويلكم أتدرون أيّ دواهٍ دهتكم؟… قال الراوي: فضجّ الناس بالبكاء والنّوح، ونشر النساء شعورهنّ ووضعنَ التراب على رؤوسهنّ، وخمشنَ وجوههنّ وضربنَ خدودهنّ، ودعونَ بالويل والثبور، وبكى الرجال، ونتفوا لحاهم، فلم يُرَ باكية أكثر من ذلك اليوم)[64].
نتائج البحث
1ـ إنّ الخطاب إحدى الوسائل الإعلامية العسكرية التي اعتمدها الحسين(عليه السلام) وأنصاره في معركة الطف، وهذا يؤكّد أنّ هذه المعركة كانت معركة عقائدية، تجمع بين الحق والباطل، والجنّة والنار؛ لذا كان لفرسان الكلمة في معسكر الحسين(عليه السلام) كلمة الفصل في كسب المعركة إعلامياً وعقائدياً ومعنوياً.
2ـ هناك علاقة وطيدة بين الخطاب والتربية؛ إذ إنّ الخطاب يعكس تربية الخطيب، ويؤثّر في تربية المخاطب وسلوكه، فينتج عنه أثر تربوي، قد يكون إيجابياً، وقد يكون سلبياً، بحسب فكر المخاطَب، وتأثره بذلك الخطاب.
3ـ لا يمكننا القول: إنّ العاطفة وحدها كانت حاضرةً عند أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، وإلّا لانضمّ إلى ركب الحسين(عليه السلام) جميع مَن استمع خطابه(عليه السلام)، وإنّما اشتركت عوامل إلهيّة مختلفة لتجمعهم في ركب واحد؛ إذ إنّهم مصطفَون للشهادة قبل شهادتهم.
4ـ إنّ زهيراً لم يكن عثمانيّ الهوى؛ وإنّما كان متردداً في صحبة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء، غير أنّ خطاب الإمام(عليه السلام) ـ الذي لم تُعرف مضامينه تماماً ـ هو الذي أثار التفاعل العاطفي، يُزاد على ذلك تذكيره ببعض المواقف التاريخية، على الرغم من أنّه كان الناقل لها، ومنها حادثة معركة (بلنجر)، وإخباره بتفاصيل شهادته(عليه السلام).
5ـ تمثّل التفاعل العاطفي عند الحرّ بن يزيد الرياحي في مظاهر متعددة، منها: دعوته الآخرين إلى نصرة الإمام الحسين(عليه السلام)، واختياره طريق الجنّة بدلاً من النار، وتوبته واعتذاره من الإمام الحسين(عليه السلام)، وتأثيره العاطفي على ولده.
6ـ تمثّل التفاعل العاطفي مع خطاب الحوراء زينب(عليها السلام) في المظاهر الآتية: حيرة أهل الكوفة ودهشتهم، واعتراف عمر بن سعد بعصيان الله وقطع الرحم، فضلاً عن ذلك إقامة العزاء في بيت يزيد (لعنه الله)، ونهيه عن ضرب رأس الإمام الحسين(عليه السلام).
7ـ تمثّل التفاعل العاطفي مع خطابات الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) في عدول رجل عن رأيه السلبي في آل البيت(عليهم السلام)، وضجيج الناس بالبكاء في مجلس يزيد بعد خطبته(عليه السلام)، ثمّ تنصل يزيد من مسؤوليته في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، ومحاولته تطييب خاطر الإمام علي بن الحسين(عليه السلام).
8ـ لم يقتصر التفاعل العاطفي في خطابات المسيرة الحسينية على ما ذكرناه آنفاً، بل كان لخطاب آل الحسين(عليهم السلام) ومواقفهم أثر كبير في تغيير مواقف كثير من الناس، والحال كذلك بالنسبة لأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام).
المصادر والمراجع
* القرآن الكريم.
1. إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام)، الشيخ محمد السماوي، تحقيق الشيخ محمد جعفر الطبسي، مطبعة حرس الثورة الإسلامية، ط1، 1419هـ.
2. الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليق وملاحظات: محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1966م.
3. الأخبار الطوال، أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، 1960م.
4. الإرشاد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، تحقيق مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1993م.
5. أعيان الشيعة، السيّد محسن الأمين، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1983م.
6. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر بن داوود البلاذري، تحقيق: سهيل زكّار ورياض الزركلي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1996م.
7. بحار الأنوار، العلّامة محمد باقر المجلسي، تحقيق: محمد باقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1983م.
8. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، المحقق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1988م.
9. بلاغات النساء، أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور، صححه وشرحه: أحمد الألفي، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1908م.
10. تاريخ الإسلام، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المحقق: عمر عبد السلام التدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1993م.
11. تاريخ الأُمم والملوك، محمد بن جرير الطبري، دار التراث، بيروت، ط2، 1387هـ.
12. التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية، البحث في النفس الإنسانية والمنظور الإسلامي، محمد عز الدين توفيق، دار الرسالة، ط1، 1998م.
13. التصوير الفني في خطب المسيرة الحسينية، هادي سعدون حنّون، العتبة العلوية المقدّسة، النجف الأشرف، 2011م.
14. تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق: محمد عوض مرعب، نشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 2001م.
15. حياة الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) دراسة وتحليل، باقر شريف القرشي، تحقيق: مهدي باقر القرشي، إصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، ط2، 2008م.
16. الخصائص الحسينية، جعفر التستري، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدّسة، ط1، 1416هـ.
17. الخطاب الحسيني في معركة الطف، دراسة لغوية وتحليل، د. عبد الكاظم محسن الياسري، إصدار قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، ط1، 2009م.
18. الخطابة في صدر الإسلام، محمد طاهر درويش، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1968م.
19. دراسات في الفكر التربوي عند الإمام الحسن(عليه السلام)، الأستاذ يوسف مدن، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدّسة، مراجعة وحدة الدراسات والنشرات، مطبعة دار البرهان، بيروت، ط1، 2014م
20. دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، نشر مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ط1، 1413هـ.
21. دور الخطاب الديني في تغيير البنية الفكرية بين الإصلاح والإفساد، دراسة وتحليل وتحقيق: السيّد نبيل الحسني، إصدار شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية في العتبة الحسينية المقدّسة، ط1، 2014م.
22. زهير بن القين، تأليف شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، ط1، 2009م.
23. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي، المحقق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م.
24. سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، دار الحديث، القاهرة، 2006م.
25. الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد المعروف بابن سعد، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1990م.
26. العزلة والمجتمع، نيقولاي برد يائف، ترجمة: فؤاد كامل، مراجعة: علي أدهم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط2، 1986م.
27. علم النفس الاجتماعي والحياة المعاصرة، د. أحمد محمد مبارك الكندري، نشر وطبع: مكتبة الفلاح، الكويت، ط1، 2012م.
28. عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة، أبو الحسن على بن عبد الرحمن بن هذيل، طبع بيروت، دار الكتب العلمية (د.ت).
29. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، نشر: دار ومكتبة الهلال، (د.ت).
30. فلسفة التربية، فيليب فينكس، الناشر: القاهرة، نيويورك، دار النهضة العربية مؤسسة فرنكلين، 1965م.
31. فن التحليل النفسي وممارسته، رالف ر. غرينسون، ترجمة أسعد ميخائيل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط1، 1988م
32. القيم التربوية في فكر الإمام الحسين(عليه السلام)، د. حاتم جاسم عزيز السعدي، إصدار وحدة الدراسات التخصصية في الإمام الحسين(عليه السلام) في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، ط1، 2013م.
33. القيم في العملية التربوية، ، 1984م.
34. الكامل في التاريخ، علي بن أبي الكرم محمد ابن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ط1، 1997م.
35. الكشاف، محمود بن عمر الزمخشري، نشر: دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407هـ.
36. اللهوف في قتلى الطفوف، علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، نشر: أنوار الهدى، مطبعة مهر، قم، ط1، 1417هـ.
37. لواعج الأشجان، السيّد محسن الأمين، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، مطبعة العرفان، بيروت، 1331هـ.
38. مثير الأحزان، جعفر بن محمد ابن نما الحلي، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1950م.
39. مختصر تاريخ مدينة دمشق، محمد بن مكرم بن على ابن منظور، المحقق: روحية النحاس، ورياض عبد الحميد مراد، ومحمد مطيع، دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، دمشق ـ سوريا، ط1، 1984م.
40. مدخل إلى الدلالة الحديثة، عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 2000م.
41. معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995م.
42. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1979م
43. مناقب آل أبي طالب، محمد بن علي ابن شهر آشوب، مطبعة انتشارات علامة، المطبعة العلمية في قم.(د.ت).
44. موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون، محمد علي التهانوي، تحقيق: د. علي دحروج، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ط1، 1996م.
45. نثر الدر في المحاضرات، أبو سعد منصور بن الحسين الآبي، المحقق: خالد عبد الغني محفوط، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2004م.
46. نحو فلسفة عربية للتربية، عبد الغني النوري، عبد الغني عبود، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1976م.
47. الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر، بيروت، ط4، 1991م.
البحوث المنشورة
48. اجتماعيات الخطاب الحسيني دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي، د. نعمة دهش فرحان، بحث منشور في مجلة كربلاء، السنة الثانية، المجلد الثاني، العدد الثالث، 2015م.
49. الإقناع والتأثير دراسة تأصيلية دعوية، إبراهيم بن صالح الحميدان، بحث منشور في مجلة جامعة الإمام، العدد 49، سنة 1426هـ.
________________________________________
[2] اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين: ج4، ص222. الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة: ج7، ص112.
[3] ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة: ج2، ص198.
[4] التهانوي، محمد علي، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون: ج1، ص749.
[5] ص: آية20.
[6] الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشّاف: ج4، ص80.
[7] الفزاري، على بن عبد الرحمن، عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة: ص84.
[8] فينكس، فيليب، فلسفة التربية: ص38 ـ 39.
[9] اُنظر: النوري، عبد الغني، وعبود، عبد الغني، نحو فلسفة عربية للتربية: ص23.
[10] اللقاني، أحمد حسين زاهر، القيم في العملية التربوية: ص24.
[11] اُنظر: السعدي، حاتم جاسم عزيز، القيم التربوية في فكر الإمام الحسين: ص50 ـ 55.
[12] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام): ص1، ص52.
[13] درويش، محمد طاهر، الخطابة في صدر الإسلام: ج1، ص1.
[14] فرحان، نعمة دهش، اجتماعيات الخطاب الحسيني دراسة في ضوء علم اللغة الاجتماعي، مجلة كربلاء، العدد الثالث، 2015م: ص283.
[15] برد يائف، نيقولاي، العزلة والمجتمع: ص91.
[16] اُنظر: توفيق، محمد عز الدين، التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية: ص243.
[17] ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج4، ص53.
[18] الحسني، نبيل، دور الخطاب الديني في تغيير البنية الفكرية بين الإصلاح والإفساد: ص138.
[19] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص151. واُنظر: السماوي، محمد، إبصار العين في أنصار الحسين(عليه السلام): ص161. الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج7، ص71 ـ 72.
[20] وتسمّى زرود العتيقة، وهي دون الخزيمية بميل، سُمّيت بذلك لابتلاعها المياه التي تمطرها السحائب؛ لأنّها رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاجّ من الكوفة. اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم البلدان: ج3، ص139.
[21] اُنظر: الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال: ص246.
[22] اُنظر: المصدر السابق: ص247. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص396.
[23] ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص33.
[24] الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال: ص246. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج3، ص168.
[25] اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص418 ـ 419. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص166.
[26] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص419ـ 420.
[27] بلنجر: مدينة ببلاد الخزر خلف باب الأبواب، قالوا: فتحها عبد الرحمن بن ربيعة، وقيل: سلمان ابن ربيعة الباهلي وتجاوزها ولقيه خاقان في جيشه خلف بلنجر، فاستُشهد هو وأصحابه. اُنظر: الحموي، ياقوت، معجم البلدان: ج1، ص489.
[28] المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج2، ص73. واُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص372.
[29] الطبري، محمد بن جرير، دلائل الإمامة: ص182.
[30] جحفة، عبد المجيد، مدخل إلى الدلالة الحديثة: ص30.
[31] اُنظر: شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدّسة، زهير بن القين: ص55.
[32] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص408.
[33] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص186. العصامي، عبد الملك بن حسين، سمط النجوم العوالي: ج3، ص174.
[34] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص404. واُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص159.
[35] الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال: ج1، ص249. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص401. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص158.
[36] الفتح: آية10.
[37] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص159.
[38] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص195.
[39] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص171. اُنظر: ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى: ج1، ص469. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص195. العصامي، عبد الملك بن حسين، سمط النجوم العوالي: ج3، ص178.
[40] الحميدان، إبراهيم بن صالح، الإقناع والتأثير دراسة تأصيلية دعوية، مجلة جامعة الإمام، العدد 49، سنة 1426هـ: ص287.
[41] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص428. اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص171. العصامي، عبد الملك بن حسين، سمط النجوم العوالي: ج3، ص178.
[42] الكندري، أحمد محمد مبارك، علم النفس الاجتماعي والحياة المعاصرة: ص298.
[43] الخصيبي، الحسين بن حمدان، الهداية الكبرى: ص204.
[44] السعدي، حاتم جاسم عزيز، القيم التربوية في فكر الإمام الحسين(عليه السلام): ص150.
[45] اُنظر: ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص44.
[46] اُنظر: القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة لذوي القربى: ج3، ص76.
[47] اُنظر: الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج5، ص14. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج8، ص184.
[48] الياسري، عبد الكاظم محسن، الخطاب الحسيني في معركة الطف: ص144.
[49] ابن طيفور، أحمد بن أبي طاهر، بلاغات النساء: ص28. واُنظر: الآبي، منصور بن الحسين، نثر الدر في المحاضرات: ج4، ص20.
[50] المصدر السابق: ص26.
[51] المصدر السابق: ص27.
[52] اُنظر: حنّون، هادي سعدون، التصوير الفني في خطب المسيرة الحسينية: ص162.
[53] ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص88.
[54] اُنظر: مدن، يوسف، دراسات في الفكر التربوي عند الإمام الحسن(عليه السلام): ص353.
[55] اُنظر: ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى: ج1، ص489. الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء: ج4، ص362.
[56] ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاريخ مدينة دمشق: ج26، ص151.
[57] الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص219 ـ 220.
[58] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص39.
[59] اُنظر: التستري، جعفر، الخصائص الحسينية: ص136.
[60] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص87 ـ 88.
[61] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص113.
[62] المصدر السابق: ص91. اُنظر: الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص29. ابن نما، جعفر ابن محمد، مثير الأحزان: ص68. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص112.
[63] غرينسون، رالفر، فن التحليل النفسي وممارسته: ص34.
[64] ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص91 ـ 92. واُنظر: ابن نما، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص69.
المصدر: موقع مؤسسة وارث الانبیاء
https://www.warithanbia.com/?id=2390
لینک کوتاه
سوالات و نظرات