نموذج مسیرة الاربعین الاسطوریة
التضحیة الحسینیة هی اعظم المآثر الاسلامیة والانسانیة عطاء وعاطفة وإحساسا، وازاء ذلك فانها كانت ومافتئت تلتحم بشكل مباشر بالضمائر الحیة والاهداف العادلة والتطلعات المصیریة لبنی البشر كافة على مر العصور.
فی هذا السیاق تعتبر (مسیرة الاربعین) مشیا على الاقدام من انحاء العراق صوب مدینة كربلاء المقدسة حیث مرقد الامام الحسین بن علی (علیهما السلام) والثلة الطاهرة من اهل بیته واصحابه الكرام الذین استشهدوا فی یوم العاشرمن محرم عام 61 للهجرة (عاشوراء) ، محطة خالدة فی التاریخ الاسلامي جدیرة بالكثیر من الاهتمام والتأمل والدراسة ، باعتبارها حركة جماهیریة هائلة تكتسب میزاتها الاساسیة من العفویة والبساطة والزهد والتواضع والتعاون والتكاتف، وهی المعانی النبیلة التی یتنافس المحتفون بهذه الذكرى علی تجسیدها قولا وعملا، وهم بالملایین نساء ورجالا وشیوخا واطفالا ، علماء ومفكرین وساسة ، اغنیاء وفقراء ، مسؤولین وكسبة وعمالا وفلاحین ،اصحاء ومرضى ومعوقین، یحدوهم الامل جمیعا بأن تدون اسماؤهم فی سجل المناصرین لثورة حفید الرسول الاكرم محمد بن عبد الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، على الطغیان والانحراف والردة یوم تحكم “ابناء الطلقاء” برقاب المسلمین، واخذوا یسوقون الامة نحو مسالك المعاصی والهلكة وسوء العاقبة.
وبما ان الاعمال تعبر عن ادق الاحاسیس، فانه من المفید القول بأن (مسیرة الاربعین) هی ثورة اسلامیة ناعمة تحمل رسائل معنویة هائلة الى شعوب العالم اجمع ،اهمها:
اولا) ان التضحیة من اجل العقیدة والمبدأ یهون دونها الغالی والنفیس، والاموال والارواح والابناء والأحباء والاخلاء.
ثانیا) ان هذه المسیرة الملایینیة مظهر عظیم للطاقات والقدرات الایمانیة الصادقة لعموم الامة، باعتبار ان المشاركین فیها-عدا ابناء البلد – جاؤوا الى العراق من شتى انحاء الارض، وقد یمموا وجوههم سیرا ، لمئات الكیلومترات وبعضهم حفاة ، صوب تلك البقعة الطاهرة التی تضم فی طیاتها جثمان اعظم بنی البشر من آل البیت النبوی الشریف (علیهم السلام)، واجساد المجاهدین الكبار الذین واسوا سید شباب اهل الجنة الامام الحسین (علیه السلام) بأرواحهم واغلی ما عندهم دفاعا عن الاسلام المحمدی الاصیل.
ثالثا) یعتبر المراقبون ان (المسیرة) تجسد حالة تعبویة موًاجة، وهی فی خدمة حمایة الدولة العراقیة بقدرات لا حدود لها، وصیانة منجزاتها التغییریة على مستوى تحریر الشعب من قیود الافكار الشوفینیة والعنصریة والمادیة البائدة ، وتعزیز قدرات الجیش والحشد الشعبی وعموم القوات المسلحة التی خلصت البلاد والعباد من عصابات داعش التكفیریة الارهابیة المتطرفة، ونجحت فی مكافحة الفتنة الطائفیة الخارجیة التی سعت الى اعادة وادی الرافدین الى المربع الاول لكنها منیت بهزائم نكراء بعد الفتوى التاریخیة للمرجع الدینیة آیة الله السیستانی باعلان الجهاد الكفائی.
رابعا) انها تمثل تحدیا شعبیا سلمیا للغة “القتل” و”الرعب” و”التطرف المذهبی” و”الابجدیات التكفیریة” التی ینفر المسلمون ویبرأون منها ، لاسیما بعدما تحولت هذه اللغة الى استراتیجیة (صهیوامیركیة ــ سعودیة) اغرقت العالم الاسلامی بشلالات الدم والفوضى والاضطرابات والتناحرات بین ابناء الوطن الواحد من جهة، وفی اوساط الامة بأسرها من جهة اخرى.
خامسا) ان الطبیعة الجوهریة لمسیرة الاربعین وزیارة ضریح الامام الحسین(ع) یوم العشرین من صفر من كل عام تقضی بان تكون الشمولیة الجماهیریة، هی سید الموقف والغایة الاساسیة لهذه (الثورة الناعمة)، ومن هذا المنطلق المبدئی ترسم هذه المسیرة (لوحة فسیفسائیة رائعة) لا نظیر لها فی العالم علی صعید التنوع البشری والمذهبی والفكری والاجتماعی.
مما مضی یتضح ان (مسیرة الاربعین) هی ثورة عقائدیة واخلاقیة ، كما انها حركة نهضویة وتضحویة فی ان معا. وهی منظومة جهادیة واعیة قوامها الارادة الحرة لأبناء الامة الاسلامیة على البذل والعطاء والصبر وتحمل والشدائد والصعاب ومقاومة الطغاة والمستكبرین والغاصبین والمنحرفین، مثلما صنع سید الشهداء الحسین بن علی (علیهما السلام) فی ثورته الخالدة التی انطلقت من اجل الاصلاح فی امة جده المصطفى محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) وفی سبیل سیادة قیم الحریة والعدالة والمساواة والخیر والفضیلة ، والامر بالمعروف والنهی عن المنكر.
نقلا من وکالة انباء فارس
بقلم : حمید حلمی زادة
http://www.ar.alarbaeen.ir/News/Show/7274
لینک کوتاه
سوالات و نظرات