بطلة كربلاء واستشراف زيارة الأربعين
تحولت زيارة الاربعين منذ اعوام الى موضوع يشغل كل الفضائيات ووكالات الانباء، بغض النظر عن الزاوية التي تنظر اليها هذه الفضائيات ووكالات الى ظاهرة الاربعين، فقد مضى ذلك الزمن الذي كانت وسائل الاعلام تتجاهل زيارة الاربعين، فحتى الحاقدين على اتباع اهل البيت (ع) يتناولون هذه الزيارة بالشكل الذي ينفسون فيه عن احقادهم، عبر التقليل من شأنها، او عبر الاساءة اليها، ولكل في كل الاحوال، لن تجد وسيلة مهما كانت معادية ان تتجاهل ظاهرة الاربعين.
الجبابرة والطغاة على مر التاريخ كانوا يتفننون في اساليبهم الدموية والوحشية لمحو ظاهرة الاربعين، عبر استخدام ابشع واشنع واوحش واقسى الاساليب التي تخطر في ذهن اكثر الناس سادية واجراما، لمنع اتباع اهل البيت (ع) من التوجه الى كربلاء الحسين (ع) في العشرين من صفر من كل عام، الا ان الجبابرة والتاريخ ذهبوا وبقيت مسيرة اربعين الحسين تزداد اتباعا حتى وصلوا الى اكثر من 25 مليون انسان، يقطعون مئات الكيلومترات في الحر والبرد، مشيا على الاقدام، ليلبوا نداء سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين (ع) يوم عاشوراء وهو يشكو قلة الناصر.
صحيح ان هناك عداء جاهلي يكنه ال امية وال العباس ضد ائمة اهل البيت (ع)، وارتكبوا من المجازر والمذابح والفظائع بحق شيعتهم ما فاضت به كتب التاريخ، الا ان هناك عداء غريب لهؤلاء الطغاة ضد ظاهرة الاربعين، فهناك اصرار عجيب على محاربتها، وكلنا يتذكر كيف حارب اخر طغاة العراق المقبور صدام زيارة الاربعين، فقد جند كل امكانيات الدولة العراقية من جيش وشرطة وامن واستخبارات ومرتزقة، لمطاردة زوار الحسين (ع) يوم الاربعين، وما انتفاضة صفر عام 1977، الا جانبا من جوانب هذا الحقد على زيارة الاربعين.
نرى ان هذا العداء والحقد الخارج عن كل ما هو مألوف على زيارة الاربعين يعود الى اصرار الطغاة والجبابرة، لتخطئة نبوءة بطلة كربلاء العقيلة زينب الكبرى بنت امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليهما السلام، عندما خاطبت كبير الطغاة يزيد بن معاوية ، وكأنها تستشرف زيارة الاربعين قبل الف واربعمائة عام، قائلة: “فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين”.
جانب كبير من عداء الطغاة عبر التاريخ لزيارة الاربعين، يعود الى نبوءة بطلة كربلاء (ع)، فالطغاة لا يريدون لهذه النبوءة ان تتحقق، فبتحققها ينكشف طغيانهم، وتتأكد مكانة اهل البيت (عل) عند الله سبحانه وتعالى، وتترسخ حقيقة عصمتهم وعلمهم عند الناس ، وهذا ما حصل بالفعل ، فتحققت نبوءة الحوراء زينب (ع)، وبهذا التحقق نغصت ابنة امير المؤمنين (ع) ، حياة طغاة ال امية وال العباس وكل من جاء بعدهم من الطغاة.
قد يسأل سائل كيف تمكنت السيدة زينب (ع) من ان تشق كل الحجب، وان تستشرف المستقبل، وترى بتلك البصيرة النافذة، الانتصار الحسيني على الظلم اليزيدي، رغم انها كانت اسيرة لدى قاتل اخوتها وابنائها وابناء اخواتها، ورغم “الانكسار” المادي في كربلاء؟
حول القدرة الاستشرافية القوية لدى السيدة زينب (عل) يقول السيد محمد كاظم القزويني في كتابة “زينب الكبرى عليها السلام من المهد الى اللحد”، إن الإمام زين العابدين(ع) لما رأى عمته زينب (ع) وهي في أسرها تخطب على الجماهير المتجمعة من أهل الكوفة، ، فخاطبها قائلا: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة.
يستفاد من كلام الإمام السجاد(ع) في حق عمته زينب (ع) أمورا منها أن السيدة زينب (ع) كانت قد بلغت هذه المرتبة العظيمة والمقام الرفيع عند الله تعالى وأن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما، لا بتخرج على أستاذ وأخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب قابليتها وتهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، ولانتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفياض الإلهي وحده وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لإفاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة، فأفيض عليها بأجمعه، سوى ما اختص به أئمة الدين (ع) من العلم المخصوص بمقامهم الأسمى ، ولولا ذلك لما نعتها ابن أخيها الإمام السجاد (ع) وهو معصوم بهذا النعت، ولما وصفها بهذه الصفة.
المعروف ان العلم على قسمين: اكتسابي وموهوبي، وبعبارة أخرى: تحصيلي ولدنّي، اما الإكتسابي والتحصيلي: فهو أن يسعى الإنسان في طلب العلم ويجّد في تحصيله، وبقدر سعيه وجدّه يستطيع الإنسان أن ينال من درجات العلم وينتفع من بركاته ، وأما الموهوبي واللدنّي: فهو العلم الذي يمنحه الله تعالى خالق الإنسان بعض عباده ممن له أهلية ذلك، ويقذفه في قلب من هو كفو لها، وذلك من غير تجشم عناء التعليم، ولا تحمل أتعاب التحصيل، فبعض يلهمه الله تعالى العلم إلهاماً غيبياً ومن دون واسطة، وبعض يلهمه بواسطة الملائكة ويريه الملائكة أيضاً ويسمى بالوحي، وبعض لا يريه الملائكة ويسمى هذا الذي يوحى إليه بواسطة الملائكة ولا يرى الملائكة بالمحدّث، ولكل مقام خاص ودرجة خاصة تتفاوت رفعة وعلواً.
السيدة زينب (ع) هي من بيت رفيع: هو بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، فلا عجب أن تكون قد نالت درجة الإلهام فهي إذن ملهمة بصريح كلام الإمام السجاد (ع) إذ لا يكون العلم بلا تعلّم إلا عن طريق الإلهام.
المعروف ايضا ان اهل البيت (ع) زقوا العلم زقا ، وهذه الحقيقة يعترف بها الد اعدائهم ، وتذكر كتب التاريخ ، ان يزيد عند دخل عليه الامام زين العابدين والسيدة زينب (عليهما السلام ) بعد واقعة الطف ، امر الخطيب أن يرقى المنبر وينال من الإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع) ، فصعد الخطيب المنبر ، وتهجم على اهل البيت (ع) ، وأطنب في تقريض معاوية ويزيد فصاح به الامام علي بن الحسين (ع) : ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق ؟ فتبوأ مقعدك من النار ، ثم قال(ع) : يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب فأبى يزيد ، فقال الناس: ائذن له ليصعد ، فقال لهم: ان صعد المنبر هذا لم ينزل الا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : انه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا.
تتفق كتب الحديث لدى عموم المسلمين على الحديث النبوي الشريف :”إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً”، فمن الواضع ان التمسك باهل البيت (ع) من اهم اسبابه العصمة والعلم ، وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ان أهل بيتي الهداة بعدي أعطاهم الله فهمي وعلمي، وخلقوا من طينتي، فويل للمنكرين حقهم من بعدي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي.
زيارة الاربعين ، اثبتت من خلال تجسيدها عمليا من قبل اتباع اهل البيت عليهم السلام ، قدرة الالهام الذي كانت تتحلى به بطلة كربلاء ، الالهام الذي كان سبب كل هذا العداء لزيارة الاربعين ، فتجسيد الزيارة عمليا ، يعني طهارة وعصمة ومكانة اهل البيت عند الله وعند المسلمين ، كما انه يعنى ايضا كذب وطغيان اعداء اهل البيت (ع) ، لذلك ستبقى مقولة بطلة كربلاء “فوالله لا تمحو ذكرنا” الى جانب مقولة اخيها سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين (ع) :”هيهات منا الذلة” ، خالدتان كخلود زيارة الاربعين.
المصدر: شفقنا
لینک کوتاه
سوالات و نظرات