الأدوار السياسية والاجتماعية للمراسم الحسينية في رؤية الإمام الخميني
وردت عن أئمة أهل البيت (ع) أحاديث كثيرة تحث المسلمين على إقامة المراسم والمراثي الحسينية لما لها من دور مهم في إحياء قيم ومفاهيم نهضة الإمام الحسين (ع) التي حفظت الرسالة المحمدية السمحاء من تيارات التحريف والتضليل طيلة عقود التسلط والبغي التي مرت على الأمة الإسلامية.
وقد كان الأئمة (ع) “يتحرون أساليب مختلفة من البيان توجب توجيه النفوس نحو التذكارات الحسينية لما لها من العلاقة التامة لحفظ المذهب عن الاندراس، فعبروا عنها بالعموم تارة وبالخصوص أخرى، فيقول الإمام الباقر (ع): “رَحِمَ الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا في أمرنا فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة؛ فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر فإن اجتماعكم ومذاكرتكم إحياؤنا، وخير الناس بعدنا من ذكّر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا” (1).
وورد في كتب الأحاديث أيضاً حوار للإمام الصادق مع أحد أصحابه، يحثه فيه على إحياء المراسم الحسينية:
يقول الإمام للفضيل بن يسار: “أتجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم. فقال (ع): أما إني أُحب تلك المجالس فأحيوا أمرنا؛ فإن من جلس يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”(2). وهناك أحاديث أخرى عديدة تصب في هذا الاتجاه.
وفي عصر الغَيْبة، دأب علماء الإسلام على اتباع تعاليم ووصايا الأئمة (ع) الداعية إلى إحياء النهضة الحسينية، وتثوير الواقع الاجتماعي بوجه قوى الاستبداد والانحراف. فعملوا على توعية الأمة الإسلامية ـ عبر القنوات والمنابر المتاحة ـ بأبعاد النهج الحسيني، وديمومة عطائه، وأثره في حفظ الرسالة الإسلامية حتى وقتنا الحاضر.
ومن أهم القنوات التي تمكن عبرها العلماء من تحقيق أهدافهم تلك، المنبر الحسيني، ومراسم التعزية التي تُقام كل عام في أوساط المجتمع الإسلامي الشيعي خلال شهري محرم وصفر.
حيث أصبحت هذه المراسم ـ بما تتضمنه من قيم ومفاهيم تدعو للإصلاح والنهوض الحضاري ـ من أهم السمات التي تميز الوجود الاجتماعي لشيعة أهل البيت (ع).
وقد أدى ذلك إلى أن يلجأ الطغاة على مر العصور إلى قمع المسلمين الشيعة وحرمانهم من إقامة الشعائر الحسينية، خوفاً من “الروح الثورية” التي تحييها المراسم في الأوساط الاجتماعية وتجعلها في مواجهة مستمرة مع كل أشكال الظلم والاستبداد السياسي.
ومع أن المراسم الحسينية وأدوارها الوظيفية تحظى بأهمية في الحفاظ على الهوية الحضارية للمجتمع الإسلامي، وفي انبثاق حركات التغيير الاجتماعي والسياسي، إلا أنها لم تحظ بالدراسة الاجتماعية العلمية المنصفة من قبل الباحثين والمفكرين في العالم العربي.
وعلاوة على هذا التجاهل، “فقد دأب بعض المستشرقين وعلماء الانثروبولوجيا المهتمين بدراسة الأديان والمجتمعات الشرقية، على تصوير “المراسم الحسينية” بهيئة الطقوس الفولكلورية البدائية التي تغذي الخيال الشعبي بتصورات أسطورية خرافية عن أبطال التاريخ.
وتبعهم على هذا المنهج الخاطئ الكتاب العلمانيون العرب الذين تأثروا بما قرأوه عن طقوس الديانات الطوطمية، ونظريات “فرويد” و “يونج” و “فريزر” و “مرغريت ميد” عن “اللاوعي الجمعي” وأثره في تشكيل مشاهد الطقوس والاحتفالات الدينية ومضامينها. إذ حاولوا إسقاط قراءاتهم تلك على المراسم الإسلامية عموماً والمراسم الحسينية بشكل خاص”(3).
وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، اتجهت أنظار الإعلاميين والكتاب والباحثين إلى إيران، لتبحث عن السر الكامن وراء انتصار “شعب أعزل” أمام أعتى قوة تسلطية وقمعية في منطقة الشرق الإسلامي.
ولأسباب سياسية وطائفية، وأخرى تتعلق بقصور مناهج البحث، لم يدرك كثير ممن تناولوا الثورة الإسلامية في إيران بالبحث والتحليل، الدور الكبير للمراسم الحسينية في تثوير مختلف قطاعات الشعب الإيراني ضد سلطات الشاه الإرهابية، وتوحّده في حركة تغييرية شاملة خلف قيادة الإمام الخميني (قدس سره) الذي جعل من مبدأ “انتصار الدم على السيف” عقيدة سياسية راسخة للملايين من أبناء الشعب الإيراني المسلم.
في هذا المقال المتواضع، نحاول ـ جهد الإمكان ـ أن نوضح الأدوار الوظيفية للمراسم الحسينية، وفقاً لرؤية الإمام الخميني، لاعتقادنا بأهمية هذا المبحث في فهم الأبعاد الحضارية التي تشتمل عليها المراسم الحسينية وأثرها في نهضة المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
الأدوار الوظيفية للمراسم الحسينية في رؤية الإمام الخميني
لقد تنبه الإمام الخميني (قدس) في وقت مبكر من تاريخه الجهادي ضد سلطات الشاه إلى مكانة المراسم الحسينية في بنية المجتمع الإيراني المسلم وأثرها في تعميق الولاء المذهبي لقطاعاته المختلفة، فعمل على استثمار هذه المكانة بما تنطوي عليه من قيم ومفاهيم؛ لأجل أن تؤدي “المراسم” جملةً من الأدوار الوظيفية في الميادين السياسية والاجتماعية.
ومن أهم أدوار المراسم التي أكد الإمام على إحيائها، وسعى لتفعيل آثارها الاجتماعية والسياسية في خطبه وتوجيهاته للشعب الإيراني أثناء قيادته لحركة التغيير الحضاري في مرحلتي ما قبل انتصار الثورة الإسلامية وبعدها:
1 ـ إسقاط شرعية حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وتثقيف قطاعات الشعب الإيراني، من خلال المنبر الحسيني بأهمية إقامة حكومة إسلامية بديلة تمثل قيم وأهداف الثورة الحسينية.
2 ـ تمتين الأواصر المذهبية والاجتماعية بين قطاعات المجتمع الإيراني وتكتيلها في حركة موحدة لمواجهة طغيان الشاه وأجهزته القمعية السلطوية؛ حيث تحولت “المراسم الحسينية” في تلك المرحلة، بفضل توجيهات الإمام الخميني (قدس) إلى مسيرات جماهيرية حاشدة تنطلق فيها نداءات الإسلام الثورية، ويعبر الشعب من خلالها عن رفضه لحكومة الشاه الطاغوتية.
ورغم ضخامة الجهاز القمعي “الشاهنشاهي” وتعدد مؤسساته، تواصلت مسيرات الاحتجاج العاشورائية، وتعمق معها ارتباط الأمة بالإمام، حيث أصبح لأحداث واقعة كربلاء حضور معاصر تمثل في أحد أبعاده بإصرار أنصار الإمام الخميني ومؤيديه على الوقوف معه في مواجهة الشاه مهما كان الثمن، مقتدين بمواقف أنصار الإمام الحسين في ملحمة عاشوراء حيث آثروا “مصارع الكرام على طاعة اللئام” كما ورد في النصوص التاريخية عن الواقعة المخلدة.
ونشير هنا إلى أن الإمام الخميني حرص طوال حياته الشريفة على استثمار هذه الحالة الإيجابية من التلاحم الجماهيري أثناء المراسم الحسينية حتى في المرحلة التي تلت انتصار الثورة الإسلامية وسقوط النظام الملكي العميل، حيث أصبحت المراسم الحسينية إحدى ساحات “حزب الله” التي تتجدد فيها بيعة الجماهير لقيادتها الشرعية، وتؤكد فيها أيضاً حرصها على الدفاع عن قيم الثورة الإسلامية، التي قدمت قوافل من الشهداء لأجل ديمومتها.
3 ـ من الأدوار المهمة أيضاً ـ وفق رؤية الإمام ـ إحياء “روح الجماعة” عند المشاركين في المراسم الحسينية، بحيث تصبح أيام عاشوراء الفرصة المناسبة لقيام “كتلة تاريخية” من الموظفين والعمال والعلماء والتجار والطلبة وغيرهم من قطاعات المجتمع وفئاته، تأخذ على عاتقها مهمة إحياء قيم الثورة الحسينية والنهوض بالمجتمع الإسلامي.
وهذا ما يفسر لنا لجوء الأنظمة الطاغوتية إلى تفتيت بنية المجتمع الشيعي، ومنعه من التفاعل مع الرموز الدينية حتى أصبحت محاربة المراسم الحسينية العنوان الأبرز للمواجهة بين شيعة أهل البيت والنظم الاستبدادية(4).
يقول الإمام الخميني (قده) عن دور المراسم الحسينية في تحقيق وحدة الكلمة، وجمع فئات الأمة في إطار مشروع التغيير: “إن وحدة كلمتنا التي أدت إلى انتصارنا كانت بفضل مجالس العزاء الحسيني هذه، وهي مجالس تبليغ ونشر للإسلام. إن سيد المظلومين قد هيأ أفضل فرصة لاجتماع الناس؛ حيث إن الإسلام ينظر إلى المساجد كمعاقل تنطلق الجموع منها بعد تأديتها لصلوات الجمعة والجماعة. وهو صلوات الله وسلامه عليه عبّد أمامنا كل السبل التي تضمن تقدم الإسلام وإشعال الثورة”(5).
ومن خلال هذا النص الخميني يتضح لنا أن للمراسم الحسينية دوراً كبيراً في تحقيق وحدة وانتصار الشعب الإيراني المسلم على سلطة الشاه الاستبدادية، ومن المنطلق ذاته يمكن فهم عبارة الإمام المأثورة “إن كل ما لدينا هو من عاشوراء”.
4 ـ تعمل المراسم الحسينية على نشر الثقافة الاستشهادية في أوساط المجتمع الإسلامي، وإحياء روح الجهاد ضد الأنظمة التسلطية. ويمكن اعتبار التعزية الحسينية من أهم قنوات التنشئة الاجتماعية التي تغذي المجتمع بقيم التضحية والإيثار والشهادة في سبيل الله بالنظر لحيوية التفاعل الاجتماعي بين “الجمهور” و “المنبر الحسيني” الذي يجعل جذوة الثورة تتقد في نفوس المؤمنين.
يقول الإمام الخميني (قدس): “إن دم سيد الشهداء هو الذي جعل الدماء تغلي في عروق كل الأمم الإسلامية، وإن مراسم عاشوراء هي التي تثير حماس الناس وتهيئهم لصيانة الأهداف الإسلامية”(6).
ويعبر الإمام الخميني عن فلسفة البكاء على شهداء الطف بقوله: “إن البكاء على الشهيد هو إحياءٌ للنهضة الإسلامية، إذ إن من بكى على الحسين أو أبكى الآخرين أو تباكى فإن ثوابه الجنة، كما يقول الحديث الشريف؛ لأن البكاء والتباكي على سيد الشهداء (ع) يعني الحفاظ على جذوة هذه النهضة في القلوب”(7).
5 ـ وهناك دور تربوي واجتماعي آخر للمراسم الحسينية في مضمار التنشئة، وهو ربط الأجيال الجديدة بمنظومة القيم الإسلامية والميراث الجهادي والعلمي لأئمة أهل البيت (ع)، وتحصينها من تيارات التضليل والتغريب التي تقودها في العصر الحديث وسائل الإعلام التسلطية والمؤسسات التربوية الرسمية الخاضعة لخطاب الأنظمة القمعية العلمانية.
فلولا المراسم الحسينية لنشأت الأجيال الجديدة في غربة عن دينها وتاريخها العريق، ولوَهَنَتْ صلتها بالإمامة وتعاليم أهل البيت (ع) والمرجعية الدينية النائبة عن الإمام المهدي (عج).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأنظمة العلمانية في العصر الحديث راهنت على إبعاد الأجيال الجديدة من الناشئين والشباب عن ميادين الثقافة الإسلامية، وإخضاعها لإغواءات خطابها الثقافي السلطوي، فعمدت في هذا السياق إلى إشاعة أفكار مضللة عن المراسم الحسينية وبقية المراسم الدينية ذات الطابع الجماعي، كاعتبارها نمطاً من أنماط السلوك الجمعي البدائي وتصويرها بهيئة الطقوس المتخلفة المتعارضة مع قيم الحداثة في العصر الحديث، كما أنها استعانت بوعاظ السلاطين لحث الشباب والأجيال الجديدة على النفور من المراسم الحسينية والعزوف عن المشاركة فيها بعد إفراغها من مضامينها الحقيقية، وهذا ما قامت به حكومة الشاه في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
وقد تنبه الإمام الخميني إلى مخاطر هذا التوجه السلطوي الساعي لإلغاء الدور الطليعي للمراسم الحسينية في استنهاض همم الشباب الذين يمثلون الفئة الاجتماعية الأكثر حيوية واندفاعاً للبذل والعطاء في أي مجتمع بشري.
يقول الإمام في هذا الصدد: “إن من يقف بوجه إقامة مثل هذه المجالس ويحول دون قراءة مراثي الإمام الحسين (ع) ومصيبته أمام الناس، لا يعرف في الواقع معالم مدرسة سيد الشهداء (ع)، ويجهل أن هذه المجالس هي التي حفظت هذه المدرسة الإسلامية إلى الآن. أجل، إن هذه المنابر والمجالس والمراسم والشعائر التي تقام بهذه المناسبة هي التي حفظت لنا الإسلام خلال ألف وأربعمئة عام… وليعلم بعض الشباب السذج الذين يدْعون لعرض كلام جديد في هذا العصر، ويخالفون مثل هذه الأمور، أن نداء سيد الشهداء هو نداء هذا العصر، وهو دوماً يتميز بالحداثة والعصرية؛ بل إن نداء العصر والحداثة هو نداء الإمام الحسين (ع)”(8).
ومن هذا المنطلق يوصي الإمام الخميني علماء الدين المجاهدين، وخطباء المنبر الحسيني، وقراء التعزية بإظهار الأبعاد والمقاصد الحقيقية للنهضة الحسينية أمام جميع فئات المجتمع، لا سيما فئة الشباب. يقول الإمام: “إن كلمة (لا) التي أطلقها الإمام الحسين (ع) قبل حوالي أربعة عشر قرناً لابدّ أن تبقى حية مدى الدهر. وهي تعني رفض كل الجبابرة والظلمة، وإن مجالسنا التي نقيمها لابد أن تؤكد هذا الرفض. وينبغي لشبابنا الواعي ألاّ يتصور أن القضية تكمن في البكاء بحد ذاته؛ لأن الآخرين أشاعوا بيننا مثل هذه الأوهام ليَصِفُوا شعبنا بأنه شعب بكّاء. ولكن الحقيقة تكمن في أنهم يخافون من أمثال هذا البكاء لأنه بكاء على المظلوم وصرخة ضد الظالم.. حيث إن الأيدي التي ترفع اليوم موجهة ضد الظالم، ولابد من الحفاظ عليها مرفوعة؛ فهي من الشعائر الإسلامية والسياسية”(9).
وفي الوقت ذاته يوصي الإمام فئة الشباب المسلم ألاّ ينخدعوا بشعارات الخطاب السلطوي التضليلي ومفاهيمه التغريبية، داعياً إياهم للمساهمة في المراسم الحسينية والاندكاك بقيمها الثورية المعطاءة.
يقول الإمام في هذا الصدد: “ينبغي لشبابنا الرسالي أن يعي مثل هذه الأمور المهمة، ويتفاعل مع مجالس العزاء التي يركز فيها على المظالم التي حلت بأهل البيت وأنصارهم والسائرين على نهجهم عبر التاريخ حتى يعرف الناس ما حلّ بنا، حيث إن مثل هذه الشعائر والمراسم ذات جوانب سياسية واجتماعية عديدة”(10).
6 ـ تمثل المراسم الحسينية في أوساط المجتمع الشيعي الإسلامي قناةً مهمة من قنوات التنشئة السياسية أيضاً، إذ إنها تسهم في تنمية الوعي السياسي لدى جمهور المنبر الحسيني، وتحفزه لاتخاذ مواقف مبدئية تجاه مظاهر الانحراف والظلم والاستبداد السياسي، وتدعوه أيضاً إلى الوقوف إلى جانب المستضعفين والمحرومين ونصرة قضاياهم العادلة.
وعن دور المراسم الحسينية في التنشئة السياسية، يقول الإمام مخاطباً العلماء والخطباء:
“لابد للعلماء الأعلام والوعاظ والخطباء أن يستفيدوا من هذه التجمعات الكبرى التي تعقد في محرم وصفر وباقي الأشهر ليوضحوا للناس واجبهم الشرعي في هذا العصر الذي تكالب علينا الأعداء فيه من كل حدبٍ وصوب، ويشرحوا لهم القضايا السياسية والاجتماعية”(11).
7 ـ وفضلاً عن دور المراسم في حفظ وحدة الكيان الشيعي فقد أدت دوراً مهماً في توسيع الأفق الديموغرافي “السكاني” والثقافي لهذا الكيان في إطار المجتمع الإسلامي الكبير، وترسيخ أواصر الأخوة والتآلف بين أبناء الأمة الإسلامية.
ونشير هنا على سبيل المثال إلى أثر المراسم الحسينية في نشر التشيع لمذهب أهل البيت (ع) في المناطق الغربية من وسط وجنوب العراق، حيث تأثرت أعداد كبيرة من القبائل البدوية القادمة إلى العراق بالقيم والمفاهيم التي تتضمنها المراسم الحسينية واعتنقت إثر ذلك مذهب أهل البيت (ع). ومن هذه القبائل، بنو تميم، الخزاعل، زبيد، بنو كعب، ربيعة، بنو عمير، الخزرج، شمّر طوقة، بنو لام، الدفافعة، آل بدير، الجبور وغيرها(12)، وتشكل هذه القبائل الأغلبية السكانية في العراق في الوقت الحاضر. كذلك أسهمت المراسم الحسينية في تحقيق التضامن الاجتماعي بين السنة والشيعة وتوحيد جهودهما لمواجهة الأنظمة الاستبدادية.
لقد دعا الإمام الخميني خطباء المنابر الحسينية في أكثر من مناسبة إلى تعميق روح الأخوة بين أبناء الأمة الإسلامية واستثمار المراسم الحسينية لإظهار وحدة الصف والكلمة؛ يقول الإمام: “عليكم ألاّ تفقدوا روح التنسيق والتآلف والأخوة التي تتولد في المراسم التي تقام في ذكرى الإمام الحسين (ع) في كل مكان؛ في إيران وفي الباكستان والهند والعراق وأفغانستان وفي أندونيسيا”(13).
وبفضل هذه التوصيات الهادية وتجاوب العلماء والمراجع، وقطاعات الأمة معها، أصبحت المراسم الحسينية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران من أبرز مظاهر وحدة الشعب الإيراني ومن أهم دعامات هذه الوحدة الراسخة.
8 ـ أدت المراسم الحسينية دوراً أساسياً في الحفاظ على هوية المجتمع الإسلامي الحضارية، وتحصينه من تيارات التغريب الاجتماعي والثقافي.
يقول الإمام (قدس): “لولا عاشوراء لم نكن نَدري ماذا كان سيحل بالقرآن الكريم والإسلام العزيز”؟
وفي إحدى بياناته يخاطب الإمامُ العلماءَ والوعاظ وقرّاء التعزية الحسينية بقوله: “عليكم أن تُفهِموا الناسَ أن الهدف ليس البكاء والتباكي على سيد الشهداء (ع)، بل أنهما الوسيلة الضامنة لحفظ الإسلام واستمراره عبر الأجيال”(14).
وإضافة إلى هذه الأدوار التي ذكرناها، هناك أدوار وظيفية أخرى للمراسم الحسينية تتعلق بالتكامل الاجتماعي، ومشاركة المرأة في العمل السياسي والتبليغي والتنشئة الاجتماعية للأطفال وغيرها من الميادين الاجتماعية والسياسية المهمة والتي أكد أهميتها الإمام الخميني في خطبه وبياناته للأمة طوال حياته الشريفة، تتطلب من الكتاب والمفكرين تناولها بالبحث والتحليل لأجل إدامة التواصل الثقافي والعقائدي بين الأمة ومرجعيتها الدينية.
——————————–
(1) عبد الرزاق الموسوي المقرم، مقتل الحسين (ع) ص96.
(2) عبد الرزاق الموسوي المقرم، مقتل الحسين (ع) ص96.
(3) طالب الأحمد: “رؤية سوسيولوجية معاصرة للمراسم الحسينية”، مجلة “الوحدة”. العدد 169.
(4) نشير هنا أيضاً إلى دور المراسم الحسينية في المواجهة البطولية للشعب اللبناني مع قوات الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، حيث تتحول مراسم عاشوراء في كل عام إلى مسيرات احتجاجية ضد الاحتلال، وكثيراً ما تقترن المراسم بعمليات جهادية ضد مواقع الصهاينة العسكرية، الأمر الذي جعل قوات الاحتلال تدخل في حالة الإنذار القصوى في كل عاشوراء.
(5) “نهضة عاشوراء في كلام الإمام الخميني (قدس سره)”. مجلة “الثقافة الاسلامية” العدد44. محرم ـ صفر 1413هـ، ص10.
(6) “عاشوراء ومجالس العزاء”، مقتطفات من أقوال الإمام الخميني (قدس سره)، نشرت في مجلة “الثقافة الإسلامية” العدد 56 سنة 1415هـ، ص9.
(7) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص14.
(8) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص12.
(9) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص14.
(10) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص15.
(11) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص11.
(12) ينظر الفصل التاسع من كتاب “طبيعة المجتمع العراقي” للدكتور علي الوردي.
(13) الثقافة الإسلامية، العدد 4، ص15.
(14) الثقافة الإسلامية، العدد 44، ص13.
المصدر: دار الولایة للثقافة والاعلام
http://alwelayah.net/post/23339
لینک کوتاه
سوالات و نظرات