أبو الفضل العبّاس (عليه السلام).. صلابة الإيمان ونفاذ البصيرة
عمار كاظم
قال الله تعالى في كتابه المبارك: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب/ 23). من مصاديق هذه الآية الكريمة، أبو الفضل العبّاس (عليه السلام)، وهو من هؤلاء الذين نذروا أنفُسهم لله، وضحّوا بها في سبيل إعلاء كلمته ونصرة دينه، وعاهدوا الله على الوفاء له ولعباده الصالحين، فقدّموا أرواحهم فداءً للرسالة. وفي ذكرى ولادته المباركة، نعيش في أجواء العزّة والكرامة والشهامة التي رسمها العباس (عليه السلام) بدمائه الطاهرة، ونعيش الإباء ورفض الظلم، والتعالي عن الصغائر، والتضحية في سبيل الهدف الأسمى، وهو رضا الله تعالى.
أبو الفضل العبّاس (عليه السلام) هو ذلك الرجل الكبير، هذا الإنسان الذي يقول عنه الإمام الصادق (عليه السلام) في كلمات مختصرة جدّاً، ولكنّها تعطي عناصر الشخصية التي تفسّر كلّ ما قام به العبّاس (عليه السلام)، مع أنّ التاريخ لم يحدّثنا عن الكثير من تفاصيل حياته: «كان عمّنا العبّاس نافذ البصيرة، صُلبَ الإیمانِ، جاهدَ مع أبي عبدالله وأبلى بلاءً حَسَناً ومَضى شهیداً»، فلقد كان يتمتع ببصيرة في عقله يبصر بها الحقّ، وبصيرة في قلبه يبصر بها مواطن الإحساس والشعور والعاطفة، فيما يحبّه الله ويرضاه من الجانب العاطفي للإنسان، وكان يملك البصيرة في حركته في الحياة، عندما يواجه الخطّ المستقيم والخطّ المنحرف.
وكان «نافذ البصيرة، صُلبَ الإيمان»، فلم يكن إيمانه الإيمان الذي يمكن أن يهتزّ أمام التحدّيات، سواء كانت تحدّيات الترغيب أو الترهيب، ولذلك عندما نادى (الشِّمر): أين بنو أُختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ لأنّه كانت هناك خؤولة تربطه به، نرى أنّ العبّاس (عليه السلام) رفض أن يستجيب، ولكنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قال لهم: «استجيبوا له، فإنّه بعض أخوالكم، وإن كان فاسقاً».. وعندما طرح عليه الشِّمر الأمان، ردَّ عليه بكلامٍ قاسٍ، ليؤكِّد له أنّ القضية ليست قضية أمان وبحث عن الحياة الوادعة الرخيّة، ولكنّها قضية رسالة نبحث عن حركتها في الواقع. كما وجاهد مع أبي عبدالله الحسين (عليه السلام) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً.
فالإمام الحسين (عليه السلام) هناك يقول: «خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي»، في خطّ الدعوة. والعبّاس (عليه السلام) هنا يطلقها دفاعاً عن خطّ الدعوة أيضاً، فعندما وصلت الأُمور حدّاً أنّ الدِّين يواجه التحدّيات التي تريد إسقاطه، وقف العبّاس (عليه السلام) محامياً وذابّاً ومدافعا قائلاً: «إنّي أحامي أبداً عن ديني»، ليبيّن أنّ هذه الحركة إنّما كانت حركة إصلاح في أُمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحمايةً للدِّين، «وعن إمامٍ صادق اليقين»، ولم يقُل عن أخي، لأنّ القضية في وعي العبّاس وفي وجدانه، لم تكن قضية أُخوّة يدافع عنها، ولكنّها كانت قضية قيادة يدافع عن حركتها وعن رسالتها في حركة التحدّيات التي واجهها.. فسلام عليه يوم ولادته المباركة الميمونة، ويوم شهادته، ويوم يُبعث حيّاً.
المصدر :البلاغ
https://www.balagh.com/article
لینک کوتاه
سوالات و نظرات